تتكشف تباعا فصول "عبث فكري" جديد يهدد ثوابت الأمة بذريعة محاربة الإرهاب. مؤخرا أعلن في دبي عن انطلاق مبادرة "حوار الشرق الأوسط" التي ستكون مبادرة فكرية يقوم على إنتاجها خبراء ومشاهير غربيين يكتبون المقالات بلغات بلادهم وترجمتها للعربية بالتعاون بين "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم" و عدة مؤسسات، منها "بروجيكت سنديكيت".
وقد عرفتها صحيفة "الاتحاد"، هي منظمة غير ربحية تنتج وتسلم مقالات رأي ذات جودة عالية لجمهور عالمي. وتضم مساهمات حصرية من قبل قادة سياسيين بارزين وواضعي السياسات والعلماء ورواد الأعمال، كما "توفر المنظمة لوسائل الإعلام وقرائهم تحاليل ورؤى متطورة، بغض النظر عن قدرتهم على الدفع".
توني بلير الذي اعترف بعد نحو 13 عاما من تدمير العراق بأنه كان "مخطئا" بهذا الغزو، وأن احتلال العراق هو سبب انتشار الإرهاب، يعود للمنطقة بأطروحات ونظريات جديدة يدرك من الآن أنها غير صحيحة وسوف تسبب كوارث فكرية وعملية على الأمة، ولكنه لن يعترف بذلك إلا بعد فوات الأوان أيضا.
"هزيمة المتطرفين الإسلاميين في 2016"
هذا هو عنوان مقال بلير لتلك المنظمة التي سوف توزع مضمونها للقارئ العربي. استعرض بلير في مقاله ما وصفها بـ"قائمة النشاطات الإرهابية للإسلاميين سنة 2015"، ولكنه لم يتطرق لانتهاكات الحكومات العربية والخليجية ضد حقوق وحريات شعوبها ما أدى لانتعاش الإرهاب، وفق التحليل الأكاديمي والسياسي الغربي لبروز الإرهاب.
بلير أكد أن الإرهاب ليس فقط "داعش" وهو ما يتطلب من المجتمع الدولي "استراتيجية شاملة لهزيمة التطرف الإسلامي"، ليس في سوريا والعراق فقط، وإنما في ليبيا أيضا. ويصر بلير طوال مقاله على الحديث فقط عن التطرف الإسلامي رغم مزاعم حكومات المنطقة أنها تسعى لعدم الربط بين الإسلام والإرهاب، ولكن كل سلوكها وسياساتها موجه ضد "الإسلام".
ويحرض بلير الأوروبيين على الإسلام بصورة شاملة وكاملة، قائلا، "على المدى الطويل فنحن بحاجة إلى أن ندرك أن المشكلة تكمن في أيديولوجية التطرف نفسها،.. هناك العديد من الناس الذين يؤمنون بأفكاره (داعش) عالمياً".
ويظهر بلير احتجاجه على اتهام اليهود بأحداث 11 سبتمبر، رغم أن هذا الاتهام مصدره محللون غربيون ولا يشكل قناعة كبيرة لدى الشعوب العربية، إلا أن بلير اعتبر هذه الانطباعات مؤشر للتطرف والإرهاب. وتناسى بلير أن ما ارتكبه الإسرائليون ضد مقدسات المسلمين أشد وأنكى من اتهامهم بأحداث 11 سبتمبر.
يقول بلير، هناك أعداد ضخمة من الناس تؤمن بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو اليهود كانوا وراء الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر".
ويقدم بلير تفسيرا لزيادة "التسامح الثقافي والديني في الإمارات" مع البوذيين وغيرهم، بقوله، اقترحت «التزاماً دولياً بالتعليم» يتم الاتقاق عليه بين دول العالم، بحيث تتحمل كل دولة مسؤولية تشجيع التسامح الثقافي والديني، والقضاء على التحيز والتحامل الثقافي والديني ضمن نظامها التعليمي". لذلك، فقد أكدت صحيفة "الخليج" المحلية أن من وصفتهم بالخبراء من الإمارات و10 دول أخرى ناقشوا إدماج "قيم التسامح وحقوق الإنسان في المناهج".
إشادة "بحكماء المسلمين"
وبصورة أساسية، يقول بلير، "كما يجب علينا دعم أولئك الذين يواجهون العقيدة المتطرفة، فقد أظهر العديد من علماء الدين الشجعان والجادين – مثل أولئك الذين ينتمون إلى جامع الأزهر في القاهرة أو الشيخ عبدالله بن بيه في موريتانيا - كيف يمكن أن تؤدي التعاليم الصحيحة للإسلام إلى التصالح مع العالم الحديث". وبن بيه وشيخ الأزهر هم من يديرون ما يعرف بمجلس حكماء المسلمين الذي أنشأته أبوظبي ليس بغرض تنويع الاجتهاد مع الهيئات الإسلامية الموجودة على الساحة، وإنما لفرض نفسه بديلا فقهيا وفكريا وعقديا على جميع الاجتهادات الإسلامية، كما يتهم ناشطون.
ويعترف بلير بوجود صراع قائلا، "إن التحالف مع القادة المسلمين المستعدين لقيادة المعركة ضد تحريف عقيدتهم يعتبر أمراً حيوياً"، و سياسة عدم التدخل عقيمة، "يجب أن ننظر إلى الشرق الأوسط والإسلام على أنهما في طور عملية انتقالية، بحيث يصبح الشرق الأوسط مكاناً لمجتمعات متسامحة دينياً وقائمة على حكم القانون، ويتبوأ الإسلام مكانه الصحيح كدين التقدم والإنسانية، وإذا نظرنا إلى الأمور بهذه الطريقة فإن هذه ليست فوضى يجب تجنبها، بل صراع حياة وموت أصبحت مصالحنا الأساسية فيه على المحك".
ويرى متابعون أن هذا التنظير لا يختلف عن مشروعات واشنطن السابقة وهي مشروع الشرق الأوسط الجديد ومشروع الشرق الأوسط الكبير واللذان فشلا بصورة واضحة، بل إن أنظمة خليجية وعربية تتهم الربيع العربي بأنه حليف لهذه المشاريع ونتيجة لها في سياق ضرب مشروعية وشرعية الثورات العربية.
ويخلص بلير، "وعلى هذا الأساس يتعين علينا دعم وتشجيع أولئك الذين يعملون من أجل مستقبل منفتح للشرق الأوسط والإسلام، فدول الخليج ومصر والأردن هم حلفاؤنا، وعندما يواجهون تحديات العصرنة، فعلينا أن نكون مستعدين لمساعدتهم"، على حد زعمه.