بالتزامن مع الجدل والاستياء الذي يلف الشارع الإماراتي والخليجي من الاحتفالات المفرطة ومظاهر البذخ والترف في "الكريسمس" الذي يقام في قصر الإمارات وبرج خليفة في دبي وسائر مؤسسات الحكومة، وبعد مقترحات لمجرم الحرب على العراق توني بلير في مقال له مؤخرا بعنوان "هزيمة المتطرفين الإسلاميين عام 2016"، أعلن مركز «صواب» الذي انطلق بجهود وتمويل إماراتي ومساعدة فنية وتقنية أمريكية عن إطلاق حملة جديدة على منصات التواصل الاجتماعي في «تويتر» و«إنستغرام» لتفنيد مزاعم وادعاء تنظيم «داعش» الإرهابي بأنه يسير على خطى الرسول.
ويأتي إطلاق هذه الحملة فيما سمي بمناسبة المولد النبوي الشريف الذي يصادف أيضا مع احتفالات المسيحيين بمولد السيد المسيح.
وقالت الصحف المحلية، اختار «صواب» الوسم «#رحمة_للعالمين» ليكون عنواناً لرسالة عالمية، تؤكد أن الدين الإسلامي دين رحمة وتسامح، وأن الممارسات الغوغائية للمتطرفين لا تنسجم مع تعاليم الإسلام وأخلاق المسلمين، وذلك بالتزامن مع احتفال المسلمين في مختلف أرجاء العالم بذكرى مولد الرسول، صلى الله عليه وسلم.
سياق الحملة
لا يختلف اثنان على أهمية وجود حملة إسلامية قوية وعميقة تقدم الصورة الحقيقية للإسلام بعيدا عن تطرف داعش كما بعيدا في نفس الوقت عن تساهل وتفريط الحكومات. فبقدر ما تؤذي الجماعات المتشددة الإسلام، يؤذي إحياء الكريسمس في دول عربية وإسلامية مثل الإمارات الإسلام أيضا. كون الإفراط والتفريط وجهان لعملة واحدة لا يحق لأحد منهما الزعم بتمثيل الإسلام. وبقدر عدد المسلمين الذين يرفضون تطرف داعش وإرهابها فإن هناك مسلمين أيضا يرفضون مثل هذه الاحتفالات بمزاعم التسامح.
وهذه المزاعم تأتي بعد ما قال توني بلير أنه اقترح على الحكومات أن تعزز ما أسماه "التسامح والمواطنة" في المناهج التعليمية وفي سائر مظاهر الحياة. كما أن توني بلير اعترف بنفسه أن احتلال العراق عام 2003 هو المسؤول عن بروز الإرهاب، وليس كما تدعي هذه المراكز من أنها تواجه الإرهاب كأحد تداعيات الربيع العربي.
وكان قد أشاد بلير بمقاله بشيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين الذين يقومون على "صواب" وعلى هذه الحملة، واصفا إياهم "بالشجعان الذين يواجهون العقيدة المتطرفة".
الحملة تتجاهل أطراف أخرى
من المناسب أن تواجه الحملة مزاعم داعش، وتوجه خطابا حاسما يدحض ويفند ادعاءاته، ولكن من المناسب أيضا أن تعرف الحملة بالإسلام والتسامح بصورة صحيحة. فالإسلام الذي يقدمه هؤلاء هو إسلام "يطبع" مع الكنيسة والمعبد البوذي والكنيس اليهودي ليس دينيا وعقائديا فقط وإنما سياسيا كما جرى في استقبال تواضروس العام الماضي في الدولة والسماح له بالحديث في الشأن السياسي في الوقت الذي يصر القائمون على هذه الحملات أنه "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة" فيما يخص المسلم.
كما إن التسامح بين المسلمين وتجاوز الاختلافات الفقية والوطنية واستيعابها هو أولى من التسامح مع الأديان الأخرى. ففي دولة الإمارات، ولأن التسامح منعدم دينيا ووطنيا فإن عشرات الدعاة والمثقفين يقضون سنوات طويلة من أعمارهم لأن السلطة التنفيذية والأمنية غير متسامحة مطلقا.
فضلا أن إطلاق هذه الحملات يستهدف الدعاية والعلاقات العامة لضمان تأييدها غربيا بذريعة أنها هي الجهة الحصرية لتقديم "إسلام معتدل" في حين أن التيارات الإسلامية الأخرى جميعها إرهابية بلا استثناء، كما تظهر أعمال "صواب" وكما تؤكد قائمة الإرهاب الإماراتية.
كما أن الحملة لا تستهدف سوى "الإرهابيين الإسلاميين" ولكنها لا تطالب الغرب باحترام الرموز والشخصيات الإسلامية وكف أذاهم عن نبي الرحمة بصور ورسومات مسيئة، حيث لا يرى صواب أن هذا إرهاب أيضا.
تناقض القائمين على المركز
وفي إطار تعاون المركز مع الأزهر الشريف، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب، "إن رسالة الإسلام هي رسالة محبة وسلام، تحرم الاعتداء على الإنسان وعلى دمه وماله وعرضه، بل حرم مجرد تخويفه وترويعه، حتى لو كان ذلك على طريق المزاح".
وإزاء ذلك، سأل ناشطون شيخ الأزهر ماذا يقول بمئات الضحايا في مصر الذين قتلهم الجيش والداخلية بدم بارد، هل يحل دماءهم، وماذا بشأن مئات وآلاف حالات التعذيب والترويع التي تقوم عليها أجهزة أمن السيسي وجهاز أمن الدولة في أبوظبي؟!