رغم أنها تمتلك ثاني أكبر صندوق سيادي في العالم بواقع 773 مليار دولار، ورغم "مدائح" التنوع الاقتصادي و"ذم" الاعتماد على النفط، إلا أن النفط لا يزال هو المحدد الرئيس لعافية اقتصاد أبوظبي. فمنذ انهيار أسعار النفط عالميا، تكاثرت المؤشرات على أن أبوظبي تعمل بتدابير وإجراءات "اقتصاد الأزمة" وهو ما بدأ ينعكس على مجالات وميادين حيوية، بما فيها سوق العقارات في الدولة والإمارة. فما هي هذه المؤشرات، وهل تواجه أبوظبي "كابوس" أزمة اقتصادية بالفعل؟
مؤشرات مالية "باللون الأحمر"
منذ أن انخفضت أسعار النفط، بدأت أبوظبي النظر في خياراتها لتعويض النقص في الدخل القومي فقامت برفع أسعار الوقود والطاقة والماء والكهرباء محليا وكأنها دولة تستورد الطاقة وليست منتجة ومصدرة له، وكان هذا أول مؤشر على التدهور الاقتصادي الذي ستتأكد معالمه بعد قليل.
وجريا على هذه السياسة، فقد أعلنت حكومة أبوظبي مراجعة رواتب موظفيها، وإلغاء منافع التأمين الصحي للمواطنين، والنظر في إلغاء "بدل تعليم" أبناء الموظفين الحكوميين، وفرضت منذ مطلع يونيو الجاري ضريبة على الغرف الفندقية عن كل ليلة لكل نزيل.
ومن المؤشرات الكبرى على الأزمة الاقتصادية، استدانة أبوظبي في مايو الماضي 5 مليارات دولار، وتجميد المرحلة الثانية من قطار الاتحاد وهو مشروع خليجي كبير يشكل إضافة اقتصادية كبيرة للدولة، ومن المؤشرات أيضا، تسريح شركات حكومية في أبوظبي وخاصة الشركات النفطية آلاف العمال من موظفيها، بحسب تقرير لوكالة "رويترز" في مايو المنصرم، وكذلك توقف مشروع مدينة "مصدر" في منتصف الطريق لانقطاع التمويل عنها بسبب الأزمة المالية غير المعلنة بعد.
أما في القطاع الخاص والذي تسوقه أبوظبي على أنه من مظاهر التنوع والاقتصاد السليم في الدولة، فقد جاءت المؤشرات مخيبة للآمال، وذلك بتراجع التوظيف في هذا القطاع بنسبة 40% خلال الشهور الأولى من العام الجاري، وهو ما أكده تقرير صادر عن بنك الإمارات دبي الوطني في مايو الماضي قال: إن القطاع الخاص غير النفطي في الدولة فقد زخمه ونموه.
ومن المؤشرات المالية الخطيرة، أن المصرف المركزي سحب من الأرصدة والودائع لدى البنوك خارج الدولة، خلال الربع الأول من العام الجاري، نحو 39 مليار درهم، إذ انخفضت من 172 مليار درهم نهاية ديسمبر 2015، إلى 133 مليار درهم بنهاية مارس الماضي.
وأفادت البيانات بأن إجمالي أصول "المركزي" المقومة بالعملة الأجنبية، بلغ بنهاية مارس 306 مليارات درهم، مقابل أصول بقيمة 341 مليار درهم، نهاية ديسمبر الماضي، بانخفاض ربعي نسبته 10%.
و بلغت قيمة ما يمتلكه "المركزي" من نقد وأرصدة مصرفية بالداخل 46 مليار درهم، مقارنة مع 78.6 ملياراً نهاية ديسمبر، بانخفاض قدره 32.6 مليار درهم ونسبته 41.5%.
هذه المؤشرات دفعت علي ماجد المنصوري رئيس دائرة التنمية الاقتصادية أبوظبي، للقول: إن ميزانية حكومة الإمارة لعام 2016 أقوى وأكبر من ميزانية العام الماضي"، ولكنه لم يكشف عن حجم الميزانية التي ادعى أنها أكبر من العام الماضي، ما دفع المراقبين لعدم أخذ هذه التصريحات على محمل الجد بقدر أخذها على أنها تعكس أزمة حقيقية، هناك من يرفض الاعتراف بها.
المجلس الوطني يستشعر الخطر
رغم عقد الحكومة مطلع العام الجاري "خلوة اقتصادية" خصصتها للبحث في بدائل الدولة الاقتصادية، إلا أنه لم يرشح عنها شيء حتى الآن. وفي المحصلة، فقد تراجعت الدولة، نتيجة الأوضاع الاقتصادية، في التقارير الدولية في التنمية البشرية والرخاء والسلام والابتكار والازدهار. هذا الوضع دفع المجلس الوطني لاستجواب الحكومة والطلب منها: "الإعلان عن البدائل الاقتصادية التي تلجأ إليها لزيادة وتنويع مصادر دخول المواطنين، دون الاعتماد على الصناعات النفطية وحدها".
فقاعة عقارية مثل كرة الثلج
منذ مطلع العام الجاري، وكدليل على أن اقتصاد أبوظبي لا يزال نفطيا، وأن التنوع الاستثماري أيضا لا يزال مرتبطا بأسعار النفط أخذ السوق العقاري في الإمارة تحديدا وفي دولة الإمارات عموما يواجه تراجعات حادة تنذر بفقاعة عقارية تكبر على نسق كرة الثلج. فقد استنفرت وسائل إعلامية ومؤسسات رسمية لمواجهة "المرجح" من انهيار آخر في العقارات في أبوظبي.
ففجأة تجمدت زيادات العقارات الإيجارية وساد عمليات البيع ركود واضح، وازداد المعروض وتناقص الطلب، الأمر الذي تطلب اتخاذ تدابير حكومية، كانت في نفس الوقت مؤشرا كافيا على ازدياد الخوف من مفاجآت السوق.
فرغم أن الإحصاءات الرسمية تؤكد تعثر القروض الشخصية والقروض التجارية في الدولة بنحو 93 مليار درهم، إلا أن المصرف المركزي ضخ تمويلات بنكية كبيرة، وذلك بعد إقراره "لقواعد الاقتراض العقاري الجديدة والتي استحدثت قاعدة تشريعية قوية لقطاع الرهن العقاري"، من خلال القانون رقم (3) لسنة 2015 في شأن تنظيم القطاع العقاري في أبوظبي. ومن قواعد الاقتراض الجديدة، تمويل 70% من شراء منزل أول، وتمويل 60% من شراء منزل ثاني وثالث، فما فوق وذلك للمواطنين. وللوافدين، تمويل 50% لأول منزل، و40% لثاني منزل فما فوق الثاني.
ومن جهته اعترف هشام عبد الله القاسم، نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في مجموعة بنك "الإمارات دبي الوطني"، أن هذه القواعد "تدعم استدامة القطاع العقاري، وتجنبه أي فقاعات سلبية".
وكان التلويح في اللحاق بركب إكسبو 2020، أحد أساليب التحفيز لتسويق الفائض من العقارات السكنية والتجارية.
و بعد انخفاض عائد الاستثمار العقاري في الدولة، زعم مسؤولو العقار "على أن نجاح الاستثمار العقاري في أي دولة لا يقاس بمتوسط العائد، وإنما بالنظر إلى الاستدامة الاقتصادية المرتبطة بحالة الأمن والاستقرار في البلد، والشفافية، والحوكمة، وآفاق التطور، والازدهار"، على حد تقدير سلطان بطي بن مجرن، مدير دائرة الأراضي في دبي. أما لماذا الاستشهاد بمسؤول من دبي، فلأن نسبة كبيرة من المشاريع العقارية الكبرى في إمارة دبي تعود لشخصيات "كبرى" في أبوظبي استثمرت أموالها في عقارات إمارة دبي.
ورغم جميع الإجراءات السابقة، فقد قال علي ماجد المنصوري: "إن سوق العقارات تعاني من تخمة المعروض وربما تتخذ الحكومة خطوات لمعالجة الاختلال"، دون أن يكشف عن فحواها، علما أن الحكومة بالفعل اتخذت خطوات كما سبق الإشارة إلا أن الأزمة يبدو أكبر من جميع التدابير حتى الآن، على الأقل.
حقيقة الأوضاع الاقتصادية
ما سبق يؤشر بقوة على أن هناك أزمة مالية وفقاعة عقارية تلوح بالأفق القريب، والسؤال هو كيف ستتعامل أبوظبي معها، هل بفرض الضرائب ومزيد من الرسوم والتقشف الداخلي، وإلى متى يظل يدفع الإماراتيون ثمن التعثر الاقتصادي والاندفاع السياسي؟!