أحدث الأخبار
  • 09:18 . الجيش السوداني يستنكر اتهامات أبوظبي له بمهاجمة مقر إقامة السفير بالخرطوم... المزيد
  • 08:16 . هل تضع بريطانيا حقوق الإنسان أولاً قبل بيع الأسلحة لأبوظبي؟... المزيد
  • 07:55 . إيران تؤكد: لن نرسل مقاتلين إلى لبنان أو فلسطين لمواجهة "إسرائيل"... المزيد
  • 06:50 . أكثر من 150 شهيداً وجريحاً بغارات الاحتلال الإسرائيلي جنوب وشرق لبنان... المزيد
  • 06:29 . فلاي دبي تمدد تعليق رحلاتها بين دبي وبيروت... المزيد
  • 01:02 . الإعلام الإسرائيلي يتحدث عن غزو وشيك للبنان وخطط لتغيير المنطقة... المزيد
  • 11:54 . النفط يرتفع نتيجة مخاطر مرتبطة بالإمدادات في الشرق الأوسط... المزيد
  • 11:29 . خفض أسعار الوقود في الإمارات للشهر الثاني على التوالي... المزيد
  • 11:13 . اعتماد تاريخ 28 فبراير "اليوم الإماراتي للتعليم"... المزيد
  • 10:49 . أتليتكو مدريد ينجو من السقوط أمام جاره الريال في الدوري الإسباني... المزيد
  • 10:42 . الإمارات تتهم الجيش السوداني بقصف مقر السفير في الخرطوم... المزيد
  • 12:42 . توتنهام يضرب مانشستر يونايتد بثلاثية بعقر داره بالدوري الإنجليزي... المزيد
  • 12:35 . الإمارات تستثمر 30 مليون دولار لدعم غانا في التنوع البيولوجي والمناخ... المزيد
  • 10:13 . هل تشكل أبوظبي قوة استقرار في الشرق الأوسط؟.. تقرير أمريكي تجيب... المزيد
  • 09:27 . وزير الدفاع الأمريكي يوجه بتعزيز قدرات جيش بلاده في الشرق الأوسط... المزيد
  • 08:11 . حذرت من حرب شاملة.. إيران تتوعد بالرد على اغتيال نائب قائد الحرس الثوري... المزيد

سقوط بغداد للمرة الـ 17

الكـاتب : عبد الله السويجي
تاريخ الخبر: 30-11--0001

ما أشبه الليلة بالبارحة، بغداد معرضة للخراب للمرة السابعة عشرة منذ تأسيسها في القرن الثامن الميلادي، وكانت المرة الأخيرة التي تعرضت فيها للسقوط والخراب في شهر إبريل/نيسان من العام 2003 على يد القوات الأمريكية وحلفائها، وكان تخريباً كمياً ونوعياً أدى إلى تهريب حوالي 19000 قطعة أثرية ثمينة من المتحف العراقي، إضافة إلى تخريب وتدمير البنى التحتية في كامل مدن وقرى العراق، حتى تحقق هدف جورج بوش الابن في إعادة العراق إلى العصور الوسطى، لا كهرباء ولا ماء ولا خدمات للمواطنين ولا أمن .
منذ أحد عشر عاماً لم يتوقف نزيف الدم العراقي، ولم تهدأ السيارات المفخخة والانتحاريون، وأسوأ ما نتج عن الاحتلال الأمريكي هو تحوّل الصراع إلى صراع مذهبي وطائفي تغذيه جهات داخلية وخارجية . وبغداد التي ارتبط اسمها في التاريخ ب"السقوط"، حيث مصطلح سقوط بغداد تردد في التاريخ 16 مرة وربما يتكرر للمرة السابعة عشرة على يد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إذا ما استمرت الهزائم تلحق بالجيش العراقي بهذه السهولة .
وهناك تناقض (إعلامي) بشأن القوة المدمرة (السحرية) التي استطاعت احتلال مدن كبيرة بسهولة ويسر، مثل الموصل وكركوك وتكريت وأجزاء من بعقوبة حتى بات مقاتلوها على بعد 65 كلم عن بغداد العاصمة . فالمالكي، رئيس وزراء العراق يتهم منذ فترة أهالي الأنبار الذين اعتصموا أكثر من سنتين، بأنهم "دواعش" وأنهم أتوا من سوريا لقلب نظام الحكم، بينما يقول البعض إن معظم الذين يقاتلون على الأرض هم من أبناء عشائر تلك المناطق . ويعزو بعضهم حرص المقاتلين على السيطرة على المناطق ذات الغالبية السنية، الى الدعم الذي يتلقاه هؤلاء من أبناء هذه المناطق، وذلك بسبب "الحيف الذي وقع عليهم من حكومة المالكي" .
وبحسب شهود عيان صرحوا لوسائل الإعلام، فإن هؤلاء يقاتلون بشراسة وبعزيمة أكبر كلما سيطروا على منطقة جديدة، وتزداد أعدادهم ككرة الثلج، بسبب التحاق المزيد من أبناء المناطق بهم، وهذا يعلل سرعة سقوط المناطق، الواحدة تلو الأخرى، بشكل سريع كلعبة "الدومينو"، ومهما يكن من أمر، فإن هؤلاء يتلقون دعماً مؤكداً من جهات خارجية وداخلية أيضا، ف"الثورات" على مدى التاريخ كانت مرتبطة بجهات تدعمها ولم تكن نبتاً شيطانياً، أو تموّل نفسها من بركات الشعوب وتبرعاتهم .
ومهما يكن من أمر، فإن بغداد ستكون معرضة للسقوط إذا ما استمر الزحف (السحري)، بغض النظر عن أسبابه التي أعادها البعض إلى "الخيانة"، أو إلى "فساد" المالكي، وهذا سينتج عنه كوارث وطنية وإنسانية ستشكل عبئاً إنسانياً وإستراتيجياً وسياسياً على المنطقة، ولاسيّما إذا صدقت الأخبار التي تقول إن تنظيم داعش هو الذي يقود هذه العمليات، وهذا يعني أن العراق سيخضع لحكم الفكر المتطرف والمتشدد، وسيقابل بفكر أكثر تشدداً، ما يعني أن حرباً داخلية طويلة المدى ستهيمن على العراق وليس على بغداد فقط، وقد يؤدي هذا إلى تقسيم العراق بشكل فعلي، فوق تقسيمه الحالي .
لقد خرج العراق منذ 25 عاماً من الصف العربي نتيجة احتلاله للكويت وتعرضه لأكثر من مرة للدمار على أيدي القوات الأمريكية وحلفائها، ولم يحدث أي تقارب مع أي دولة عربية منذ ذلك الحين، بل على العكس، تأزمت العلاقات بينه وبين أكثر من جار له، باستثناء علاقاته مع إيران، التي تحسّنت كثيراً منذ سقوط الرئيس الأسبق صدام حسين، وذلك بسبب الانسجام العقائدي والمذهبي للحكومتين، وهو ما يؤدي الآن إلى استعداد إيران تقديم الدعم للحكومة العراقية في حربها على (داعش)، وهذا يعني احتدام الصراع المذهبي أكثر مما هو محتدم، الأمر الذي يعني احتدام الصراع مرة أخرى بين مرجعيتي المذهبين، وبذلك، ستنشب حرب بالوكالة في المنطقة، لن يخرج منها رابح أبداً، وسيكون الشعب العراقي وعدد كبير من العرب وقودها، وقد لا تتوقف داخل الحدود العراقية، إذا ما انكشف الداعمون وظهرت المواقف علانية، كما يحدث بشأن الصراع في سوريا، بل سيعبر العنف الحدود العراقية عبر الحدود كافة، وستدخل المنطقة برمتها في صراع دموي طويل، سيكون الكيان الصهيوني فيه هو الرابح الوحيد، على الرغم من أن هذا المنطق لم يعد يتوقف عنده كثيرون، خاصة أن البعض يعتقد أن هنالك تهديدات أكثر خطورة من التهديدات التي يشكلها الكيان الصهيوني، ناهيك عن أن الصراع العربي الصهيوني تراجع ليصبح صراعاً فلسطينياً صهيونياً، وحتى هذا الصراع الضيق تراجع ليصبح أكثر ضيقاً، ولاسيّما مع تشرذم الساحة الفلسطينية وانقسامها ما بين مؤيد للمفاوضات ورافض لها، إضافة إلى التحالفات التي تربط كل جهة مع الخارج .
منذ الحرب العراقية الإيرانية لم تشهد المنطقة هدوءاً، وازدادت حالة عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي بعد احتلاله والتخلص من نظام صدام حسين، حيث تحول إلى مرتع للحركات الإسلامية المتشددة، وتنظيم القاعدة الذي اتهم صدام حسين بعلاقات مباشرة معه قبل الإطاحة به، أصبح لاعباً رئيساً في العراق، ويتذكر العالم ابومصعب الزرقاوي وحروبه وتفجيراته وتصريحاته التي غذت الحرب المذهبية، وها هو الآن يعود بوجه آخر، فداعش تريد القضاء على نظام المالكي، وبهذا لا يمكن فصل الصراع المذهبي عما يحدث حالياً، وهو أمر مؤسف للغاية، وكأن مبادئ الحرية والديمقراطية التي ادعاها الحلفاء الذين احتلوا العراق في العام ،2003 ذهبت أدراج الرياح، وحل محلها العنف الطائفي، أو الدكتاتورية الطائفية .
لقد خرجت أمريكا وحلفاؤها من العراق بعد أن أسقطت بغداد، وتخلصت من نظام صدام حسين، لكنها لم تنشر الديمقراطية والحرية المزعومة، وتركتها نهياً للطائفية والمذهبية، وهي غير مستعدة الآن للمساعدة، ولن تتدخل لا عسكرياً ولا لوجستياً لإنقاذ العراق من دوامة العنف، وستبقى تتفرج على المتقاتلين، كما تفعل في سوريا منذ أربع سنوات، ولا يمكن توجيه اللوم لها، فأمريكا ليست دولة عربية أو إسلامية، ولكن من يجب توجيه اللوم له هو العرب، الذين يتفرجون على العراق كما يتفرجون على ليبيا وعلى سوريا، من دون أن يدركوا الخطر القادم المحدق بهم جميعاً، جراء تنامي التوجه المتطرف الذي يقترب من الإرهاب، وهو أبعد ما يكون عن روح الإسلام السمحة، والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف والمذاهب .
العراق في حاجة إلى عمل عربي مشترك لا ينطلق من الانتماء المذهبي والطائفي والديني، بل يستند إلى المصالح العليا للشعوب العربية، ومن دون هذا العمل، ستسقط بغداد مرة أخرى بيد الفوضى والعبث الطويل .