فوجئ الإماراتيون في الساعات الأخيرة بأنباء اعتقال الأكاديمي المتقاعد عبدالخالق عبدالله من جانب جهاز الأمن، ليس بسبب مواقفه التي يصفها إماراتيون "بالوطنية الموسمية" في تطرقه لظاهرة هنا أو إشكالية هناك، وإنما بسبب الاتجاه العام الذي يصبغ توجهاته التي يعتبرها إماراتيون متماشية ومتماهية بصورة كبيرة مع سلوك جهاز الأمن ومع سياسات أبوظبي. بكلمة أخرى، "عبدالله" شخصية محسوبة على السياسات الرسمية للدولة بصفة عامة، فلماذا تم اعتقاله. هل يدفع ثمن "عدم وفاء جهاز الأمن" أم أنه ضحية صراع أجنحة ومراكز قوى داخل الجهاز؟
من هو الأكاديمي عبد الخالق عبدالله؟
لعل أكثر صفة رسمية لصيقة بعبدالله ما تطلقه عليه وسائل إعلام عربية بأنه مستشار ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. وقد اكتسب هذا الوصف الذي لم ينفه أو يؤكده لا هو ولا أبوظبي نتيجة دفاعه الملحوظ إزاء سياسات أبوظبي في المنطقة وحتى إجراءاتها داخليا عبر جهاز أمن الدولة.
وإضافة إلى ذلك، وبحسب مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي والذي يرأسه الشيخ محمد بن زايد، فإن عبدالله، هو أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة الإمارات، ومستشار وحدة الدراسات في جريدة "الخليج" والمشرف العام على التقرير الاستراتيجي الخليجي. ووصفه المركز بأنه عضو مؤسس وفاعل في العديد من الجمعيات المهنية والثقافية والتطوعية الإماراتية والخليجية والعربية، بما في ذلك "لجنة الإمارات الوطنية لمقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي"، كما أنه أمين مال الجمعية العربية للعلوم السياسية، وعمل رئيساً لتحرير مجلة شؤون اجتماعية لنحو عشر سنوات.
وقبل عامين تقاعد "عبدالله" وأخذ يمارس نشاطه الإعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما موقع "تويتر" الذي كان يطل فيه على الإماراتيين والخليجيين والعرب بمواقف تثير الجدل بين مؤيد ومعارض لها في معظم الأحيان، وإن كان أغلبها السير وفق فلك التوجهات السياسية والأمنية لأبوظبي، وحتى قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، رغم ظهور نزعة انتقادية للسيسي في تغريداته مؤخرا.
المواقف السياسية لعبدالله
يرى ناشطون أن "عبد الله"، بصفة عامة، أحد الأكاديميين الخليجيين الذين يدافعون عن الأنظمة الخليجية ويهاجمون الربيع العربي ويؤيدون مواقف الإمارات الرسمية فضلا عن انتقاده لإيران.
فعلى الصعيد المحلي، هاجم "عبدالله" منظمة "هيومن رايتس ووتش" بعد تسليطها الضوء على الانتهاكات الأمنية من اعتقالات وتعذيب واختفاء قسري. وقال على "تويتر": إن "تقارير المنظمة الدولية الغاضبة والمتحاملة لن تساهم في تطوير وضع حقوق الإنسان في الإمارات أو أي دولة أخرى.. كما على مديرة قسم الشرق الأوسط وقف نباحها"، على حد تعبيره.
وواصل، هجومه على مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة قائلا: " لم أكن أتوقع أنها جاهلة وسطحية لهذه الدرجة المخلة"، على حد قوله.
أما بشأن الملف المصري، فقد امتازت مواقفه بالتناقض الشديد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، متأرجحا كما يقول ناشطون بين مواقف أبوظبي المؤيد تماما لقائد الانقلاب، وبين مواقف دبي التي تبدي تحفظا من حين لآخر على سلوك السيسي الاقتصادي على الأقل.
فقد سبق أن غرد قائلا، بما يتفق مع نظام السيسي وأبوظبي: "رابعة مأساة إنسانية مؤسفة يجب أن لا تتكرر وجماعة الإخوان يتحملون مسؤولية وقوعها واليوم وكعادتهم يتاجرون بها كمظلومية لكسب التعاطف الذي تبخر"، على حد زعمه.
ومؤخرا، كتب مغردا، وبما يتفق مع تغريدات سابقة لضاحي خلفان وتصريحات لنائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد عندما طالبا قائد الانقلاب بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014، إذ قال: " خلف الأبواب المغلقة في العواصم الخليجية يتصاعد يوما بعد يوم شعور الاحباط تجاه أداء النظام في مصر وتحوله لعبء سياسي ومالي يصعب تحمله طويلا". وقد جاء موقفه هذا بعد شهور طويلة من دعم إعلامي بلا حدود من جانب "عبدالله"، ولكن موقفه الأخير جاء مخالفا لموقف أبوظبي والسيسي.
أما آخر تغريدات قبيل اعتقاله، والتي أرجع مراقبون أنها السبب في اعتقاله، فقد كانت داعمة تماما لنظام الانقلاب وتوجهات أبوظبي ومعارضة للسعودية، ما سبب بسجال على تويتر مع أحد الشخصيات السعودية العامة.
فقد غرد زاعما: " تيران وصنافير مصرية، هكذا حكمت قبل قليل المحكمة الإدارية العليا في مصر وألغت اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية. يجب احترام قرار القضاء". فرد عليه الداعية السعودي عوض القرني: "لو حكمت محكمة إيرانية بأن الجزر الثلاث إيرانية هل يجوز لأي خليجي أن يقول: يجب احترام قرار القضاء؟! أما كان يسعك السكوت؟". وكان هذا الموقف دعما ملحوظا ومجانيا للسيسي.
وفي موقف آخر، تطابق "عبدالله" تماما مع موقف جهاز أمن الدولة ومع نظام السيسي في انتقاد تقرير للبرلمان البريطاني يؤكد براءة الإخوان من التطرف والإرهاب، وزعم قائلا:" يتضح من تقرير البرلمان البريطاني أن اللوبي الإخواني متغلغل في البرلمان والصحافة، ولديهم علاقات واسعة في بريطانيا ربما أقوى من علاقات دول كبرى".
كما انتقد "عبدالله" المفكر الكويتي عبدالله النفيسي، والمفكر العربي عزمي بشارة، ويكيل الاتهامات والانتقادات الجارحة للحكومة التركية وللرئيس أردوغان، ويدافع عن محمد دحلان. كما أظهر شماتة باعتقال الأكاديمي السعودي محمد الحضيف بعد ساعات من اعتقاله في الرياض، كون الأخير يغرد منتقدا سياسات أبوظبي في اليمن والمنطقة عموما. فضلا عن انتقاد "عبدالله" قطر واتهامها بأنها "تغار" من دولة الإمارات وذلك في لقاء على قناة "روتانا خليجية" قبل نحو عامين، وبأنها تمول موقع "ميدل إيست آي" البريطاني بعد أن اتهم الموقع أبوظبي بدور في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في يوليو الماضي. وكل هذه موضوعات يتقاطع فيها "عبدالله" تماما مع جهاز الأمن ونظام السيسي.
مؤشرات تؤكد الاعتقال
أكدت منظمة العفو الدولية نبأ اعتقال "عبدالله" في تغريدة أولية على موقعها بتويتر: "خبر سيء من الإمارات: اعتقال عبدالخالق عبدالله، ونخشى أن يكون سجين رأي". كما ذكر المركز الدولي للعدالة وحقوق الانسان في تغريدة عبر تويتر: "الإمارات.. جهاز الأمن يعتقل أستاذ العلوم السياسية د.عبدالخالق عبدالله يوم 16 يناير 2017". وأرجع المركز سبب اعتقال الأكاديمي الإماراتي إلى تغريداته السياسية. ومن جهته، قال حساب «معتقلي الإمارات» عبر «تويتر»: «أنباء شبه مؤكدة عن قيام أمن الدولة باعتقال عبدالخالق عبدالله في تاريخ 16 يناير بسبب إحدى تغريداته على تويتر".
وما يؤكد نبأ الاعتقال أيضا، هو شماتة واسعة النطاق أظهرها أنصار نظام الانقلاب في مصر، لمجرد أن كان "لعبدالله" رأي أو تحفظ، رغم أنه يعتبر من المؤيدين لنظام السيسي جملة وتفصيلا، ومع ذلك، لم يسع هذا النظام ولا جهاز الأمن أن يكون له رأي ولو عابر.
فهل يواجه "عبدالله" عدم وفاء جهاز الأمن أم صراع داخل الجهاز؟
وبناء على ما تقدم، واتضاح الخطوط العريضة والرئيسية لمواقف وآراء "عبدالله"، فقد انقسم الإماراتيون إزاء تقييم ما تعرض له "المعتقل عبدالخالق عبدالله". ففريق يرى أن جهاز الأمن لا يتسامح حتى مع مؤيديه في إبداء أي موقف مغاير ولو كان على سبيل النصيحة، رافضا أن يقوم "عبدالله" بدور "الإصلاحي من داخل النظام" كما يقول فريق.
أما الفريق الثاني، فيرى أن "عبدالله" ضحية صراع مركزيْ قوى في جهاز الأمن، على مستوى الجهاز في أبوظبي ودبي، إذ أخفق في الموازنة بين هذين المركزين. وما رجح غلبة جناح أبوظبي هو تصعيد الشيخ خالد بن محمد بن زايد لمنصب نائب مستشار المجلس الأعلى للأمن الوطني، قبل نحو 10 أيام فقط من الآن! ما جعله الشخصية الأمنية الرابعة على مستوى الإمارات.