أحدث الأخبار
  • 06:57 . منظمة حقوقية تدعو لمحاسبة أبوظبي وقطع التعامل معها على خلفية قضايا التجسس... المزيد
  • 06:20 . قطر تؤكد أن عملية الاحتلال برفح أخرت مفاوضات الهدنة... المزيد
  • 11:02 . أرباح "دبي للاستثمار" تتراجع 64% بالربع الأول 2024... المزيد
  • 10:38 . "أدنوك للحفر" تُخطط لإتمام ثلاث عمليات استحواذ جديدة خلال 2024... المزيد
  • 10:38 . حاكم الشارقة يعتمد طلبات 1000 وحدة سكنية للمواطنين في مجمعي القطينة والشنوف... المزيد
  • 10:28 . مقتل خمسة عسكريين بينهم عقيد في هجوم بشمال العراق... المزيد
  • 10:27 . إدارة بايدن تستبعد نجاح الاحتلال الإسرائيلي في إنهاء حماس... المزيد
  • 10:11 . الأمم المتحدة: نحو 360 ألف شخص فروا من رفح منذ صدور أوامر الإخلاء... المزيد
  • 10:08 . برشلونة ينتزع وصافة الدوري الإسباني من جيرونا... المزيد
  • 10:00 . أستون فيلا يقتنص تعادلا ثمينا أمام ليفربول في الدوري الإنجليزي... المزيد
  • 10:09 . الاحتلال الإسرائيلي يقتل موظفاً أممياً شرقي رفح... المزيد
  • 07:27 . تحذيرات من انتشار الأوبئة في غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي... المزيد
  • 06:44 . المستشفى الإماراتي الميداني برفح يعلن إجراء 1752 عملية جراحية... المزيد
  • 05:53 . ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة يقاربون 114 ألف شهيد ومصاب... المزيد
  • 12:40 . "مجموعة الإمارات" تحقق أرباحاً قياسية تجاوزت 18 مليار درهم... المزيد
  • 12:24 . تراشق "إماراتي سعودي" بشأن عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة... المزيد

بل هناك حاجة ملحة للإيديولوجيات

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 17-02-2017

منذ أن بدأت الأطروحات السياسية القومية العربية والإسلامية العربية بالتراجع، وأحيانا بالفشل الذريع، بسبب أخطاء وعدم كفاءة المنادين بها في بعض الأحيان، أو بسبب عدم تهيئة وإنضاج الظروف المطلوبة لإنجاحها، انبرت أفواه وأقلام حاملي رايات الإحباط واليأس والفذلكات الفكرية بطرح المقولة التالية: انتهى عصر الإيديولوجيات.
ولكن، هل حقا أن الحاجة لطرح الإيديولوجيات في المجتمعات العربية لم تعد له مبرراته الذاتية؟ الجواب هو العكس تماماَ. دعنا أولا نستحضر مكونات الإيديولوجية الثلاثة: إجراء تحليل ونقد موضوعي علمي للمجتمع، ووضع أهداف عليا وتصورات شاملة لما يجب أن يكون عليه ذلك المجتمع في المستقبل، وتحديد الأدوات والوسائل اللازمة للقيام بالمهمتين السابقتين. وتهدف تلك المكونات للإيديولوجية إجراء تغييرات وتحوُلات اجتماعية وسياسية كبرى في المجتمع، من خلال استعمال العقل والمنطق والاستعانة بمنجزات العلوم والثقة الكاملة في قدرة الإنسان على تغيير محيطه وتحسين مستوى معيشته وتصحيح مسارات حياته.
دعنا نستذكر ثانياَ أن الإيديولوجيات الشهيرة في الغرب الأوروبي، مثل الليبرالية والاشتراكية والمحافظة، كانت حصيلة دخول الغرب في حداثته. فأفكار الحداثة، مثل الحرية والمساواة والمواطنة والتقدم وحقوق الإنسان، كانت بحاجة لتنظيمها وإدماجها في مشروعات سياسية واجتماعية كبرى شاملة. من هنا ولد مفهوم الإيديولوجية.
والأمر نفسه ينطبق على بلاد وأمة العرب: فاذا كنا نتحدث عن بناء حداثتنا الذاتية، المستفيدة بالطبع من حداثات الآخرين ولكن الآخذة بعين الاعتبار لخصوصيتنا، فهل ندخل حداثتنا بمشاريع سياسية اجتماعية صغيرة ومجزأة وغير مترابطة ومتعاضدة، أم ندخلها بأفكار إيديولوجية كبرى، الناقدة للمجتمع والمحددة للأهداف والبانية للأدوات والوسائل في آن؟
نحن هنا نتحدث عن إيديولوجيات متعايشة ومتفاعلة مع بعضها بعضا في أجواء من الحرية والديمقراطية والتنافسية الشريفة، وليس عن إيديولوجيات متزمتة واستئصالية للآخر، وفارضة نفسها بالقوة والبطش، كما شهدها العالم الغربي طيلة القرن الماضي وكما شهدناها نحن العرب منذ الاستقلال.
دعنا نستذكر ثالثاَ بأن الشكوك التي تحيط بجدوى ايديولوجيات في المجتمعات الغربية، هي حصيلة للأزمات الكثيرة التي حلت بالحداثة الغربية، مثل الحروب العالمية الكبرى وممارسة الاستعمار وتفسخ الديمقراطية وممارسة الرأسمالية المتوحشة الظالمة وغيرها كثير.
أما بالنسبة لأمة ووطن العرب فالأمر يختلف. فنحن أمة مجزأة، مسلوبة الإرادة السياسية، منهوبة الثروات، لم تخرج بعد من صراعات الولاءات الطائفية والقبلية والعرقية البدائية، ولم تصل بعد إلى شواطئ الأمان في أوضاعها السياسية والاقتصادية. وعليه فإن حاجتها لتصورات سياسية واجتماعية شاملة ومترابطة هي حاجة ملحة، من أجل أن تواجه أهوال مشاكلها بإيديولوجيات نقدية وعقلانية متكاملة وبالشروط التي ذكرناها.
نحن على علم بالأطروحات السياسية والاجتماعية، التي طرحها مفكرون غربيون من أمثال فوكو الفرنسي، والقائلة بأفضلية تبني المشاريع السياسية والاجتماعية الهادفة لحل إشكاليات محددة خاصة بفئة من المواطنين، مثل مساواة المرأة في الأجور، أو معالجة موضوع الأقليات، أو تحديث هذا الحقل أو ذاك، وذلك بسبب الويلات التي واجهتها المجتمعات الغربية من جراء الإيديولوجيات الشمولية العنيفة التي طرحت في الغرب. إنها اطروحات قد تصلح لمجتمعات تنعم باستقلالها الوطني ووحدتها الوطنية وبنظامها السياسي المستقر وباندماجها في مسيرة الحضارة الإنسانية. لكن ذلك لا ينطبق على مجتمعاتنا العربية التي تصارع من أجل الخروج من تخلُفها التاريخي، ومن أجل وحدة أوطانها واستقلالها الوطني ومن أجل الانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي معقول ونظام اقتصادي انتاجي غير ريعي.
والواقع أن هناك أصوات قوية وكثيرة في الغرب تعتقد بأن أخطاء الماضي يجب أن تؤدُي إلى تصحيح أخطاء الإيديولوجيات السابقة وليس إلى رفض أهمية تواجد الإيديولوجيات في مجتمعاتهم. إن هؤلاء لا يتصورون غياب الإيديولوجية الليبرالية أو الاشتراكية أو المحافظة، وإنما ينادون بتعديل بعض ممارساتها الخاطئة.
في بلاد العرب، ونحن نعيش جحيم الحاضر المليء بالأخطار الكبرى، التي ليس لها مثيل في تاريخنا كله، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى طرح الإيديولوجيات، سواء الرافعة لألوية القومية أو الليبرالية أو الاشتراكية أو الإسلامية.
من حق البعض أن يطالبوا بتصحيح بعض جوانب أطروحات وممارسات الماضي، فهذا واجب وضرورة، ولكن ستكون كارثة لو اقتصرت الحياة السياسية والاجتماعية العربية على الانشغال بحل مسائل جزئية متناثرة، بدلا من محاولة النضال السلمي الديمقراطي المستمر لإجراء تحولات وتغييرات كبرى في حياة الإنسان العربي.