وحاول المؤلفان منذ البداية أن يشرحا لنا ما هو الكذب الذي يقصدانه، والذي حرّمته وجرمته القوانين الرسمية والأديان والشرائع السماوية، كما يبينا لنا أنواعه، ويشرحا الدوافع التي جعلتهما يكتبان حول هذا الموضوع، وأهمها درجة تفاعل الناس مع موضوع الكذب الدولي، لأن أغلب الناس يعدون الكذب سلوكاً مستنكراً، وهم لا يتقبلون أن يطلق عليهم أحد أنهم «كاذبون»، فالكذب تهمة خطيرة، لذلك كان هدف الكتاب هو توفير أطر تحليلية تساعد في تنظيم تفكيرنا حول الكذب، لاسيما في السياسة الدولية، والدفع ببعض التصورات النظرية حول جوانب أساسية تتعلق بالموضوع.السؤال المهم الذي طرحه الباحثان في كتابهما: هو ما الذي يدفع القادة إلى الكذب؟ وما هي العوامل والظروف الممهدة لذلك؟ وهل خريطة الكذب تقتصر على السياسة الدولية؟
يقول جي وشيمر: في مضمار السياسة الدولية بإمكان القادة أن يختلقوا سبعة أنواع من الأكاذيب، لكل نوع منها غرض محدد.
النوع الأول: نشر الخوف بهدف خدمة الصالح العام؛ فبعض القادة قد يكذبون لإقناع الشعب برؤيتهم، وقد استخدمت الولايات المتحدة أنواعاً من الكذب خلال السبعين سنة الماضية لجر الشعب الأميركي المتردد إلى الحرب، وأقرب مثال على ذلك الغزو الأميركي للعراق، حيث استخدمت إدارة بوش إثارة الذعر ضد صدام حسين في حملة اشتملت على التلفيق والكتمان والكذب، ومن ذلك أن صدام عقد حلفاً وثيقاً مع ابن لادن، وأن واشنطن تملك الأدلة على حيازة صدام أسلحةَ دمار شامل، وأنه مسؤول جزئياً عن هجمات 11 سبتمبر.
النوع الثاني: التغطيات الاستراتيجية؛ وهي أكاذيب تهدف إلى إخفاء سياسات فاشلة وسياسات مثيرة للجدل حتى لا يعرفها الشعب.
النوع الثالث: صناعة الأساطير القومية، وذلك حين يطلق القادة الأكاذيب بشكل أساسي لشعبهم حول ماضي بلادهم، وأحسن مثال على ذلك مزاعم إسرائيل، إذ لم تكن هناك قط للصهاينة دولة في فلسطين من دون أعمال الإبادة والاستئصال التي مارسوها بحق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض.
النوع الرابع: الإمبريالية الاجتماعية، حيث يطلق القادة أكاذيب عن دولة أخرى بهدف تنمية مصالحهم الاقتصادية أو السياسية، أو لصالح طبقة اجتماعية أو مجموعة بعينها، بغية صرف نظر الشعب عن مشاكل وقضايا مثيرة للجدل في الساحة المحلية.
النوع الخامس: التغطيات الشنيعة؛ عندما يكذب القادة بخصوص تخبطاتهم أو سياساتهم الفاشلة، لمصالح شخصية، ويكون هدفهم الأساسي حماية أنفسهم وأصدقائهم من عقاب مستحق.
النوع السادس: الأكاذيب الليبرالية؛ وهي للتغطية على سلوك يتناقض مع منظومة المبادئ المتعارف عليها بشكل واسع في أنحاء العالم.
النوع السابع: الأكاذيب الاستراتيجية؛ وهي تستهدف تحقيق المصلحة العامة وينتج عنها ضرر أكثر مما تتحقق منفعة.