كشف مؤشر السلام العالمي الذي صدر مؤخرا عن تراجع دولة الإمارات 16 درجة في عامين، رغم أن هذين العامين وما سبقهما شهدا حملات وجهود وأدوار مكثفة للغاية قامت بها الدولة في هذا السياق. فما هي الجهود والأدوار التي بذلتها، والمرتبة التي وصلت إليها، ولماذا تراجعت مع كل ما قامت به؟
"السلام" قيمة كبيرة في السياسة الإماراتية
دأبت أبوظبي وبعد الربيع العربي على تأكيد دورها الإقليمي والدولي في تعزيز السلام عبر المنطقة والعالم. ففي ذكرى تأسيس قواتنا المسلحة في مايو الماضي، استدل نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد على دور الإمارات في إرساء السلام، بالإشارة إلى "المهام التي نفذتها في إطار مشاركتها الفاعلة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العديد من مناطق العالم".
أما نائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد، فقد قال في ذات المناسبة: "نحن دولة تتوخى مبادئ التعايش السلمي وتحب السلام وتسعى إليه".
وثنّت نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، قائلة: الإمارات "أسهمت بدور فاعل في مهام قوات حفظ السلام العالمي".
ومن جهتها، تكرر الشيخة لبنى القاسمي وزيرة دولة للتسامح من حين لآخر، "أن أرض دولة الإمارات كانت ومازالت مهداً للسلام"، كما في احتفال الدولة بمناسبة اليوم الدولي للسلام الذى يصادف 21 سبتمبر من كل عام.
وذكرت القاسمي، أن دولة الإمارات لها دور رئيسي وحيوي في الجهود الدولية لتحقيق السلام العالمي.
أما رئيسة المجلس الوطني الاتحادي أمل القبيسي، فقد اعتبرت أن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى الفاتيكان بمثابة رسالة سلام.
واعتبرت القبيسي أيضا، أن تصدي أبوظبي "للإرهاب" جزء "من مسؤوليتها وقدرها الذي كرست نفسها له وانطبع في شخصيتها التي تعمل من أجل السلام "، على حد تعبيرها.
جهود دولية في نشر السلام
وتجاوزت أبوظبي التصريحات إلى الأفعال والخطط والمبادرات في نشر السلام. فقد سبق أن أشارت لبنى القاسمي إلى "تعاون بين دولة الإمارات والأزهر والفاتيكان، لترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي".
فمجلس "حكماء المسلمين" الذي أنشأته أبوظبي عام 2014 أطلق عشرات ما يسميها "قوافل السلام" إلى أوروبا وإفريقيا وآسيا ومختلف دول العالم. كما أسست أبوظبي أيضا، "منتدى تعزيز السلم"، والذي يقوم بدور مثير للجدل في هذا المجال، ومع ذلك، فإنه محسوب على جهود الإمارات في نشر وتعزيز السلام إقليميا وعالميا.
فضلا عن صفقات السلاح الكبرى التي تعقدها الدولة والتي كان أحدثها 20 مليار درهم في فبراير الماضي، وتبرعها للانتربول الدولي بنحو 200 مليون درهم. كما أعلن في فبراير الماضي في أبوظبي عن ولادة تحالف أمني مقره أبوظبي، يضم إيطاليا والبحرين والمغرب وفرنسا، وغيرهم من الدول.
مؤشر السلام العالمي
مؤشر السلام العالمي (Global Peace Index)، هو تقرير سنوي يعده ويصدره معهد لندن للاقتصاد والسلام، في محاولة لقياس وضع المسالمة النسبي للدول والمناطق.
ويعتمد التقرير على عدة معايير في التقييم ؛ منها مدى المشاركة في دعم قوات حفظ السلام، والقدرات العسكرية للدولة، وحجم المشاركة السياسية، ومدى انتشار الفساد، والمساحة المتاحة لحرية الإعلام، ومشاركة المرأة في الحياة العامة والحياة السياسية، ومدى الرعاية الصحية المقدمة للسكان، وفرص التعليم، وغيرها.
و كشف المؤشر أن الإمارات احتلت المرتبة الـ65 عالميا من بين 163 دولة شملها التقرير، بتراجع بلغ 4 مراتب عالمية لعام 2017. غير أن المفاجأة كانت تراجع ترتيب الدولة من المرتبة ال49 عام 2015، إلى المرتبة ال61 عام 2016، قبل أن يعود مجددا للانخفاض.
ومع ذلك، فبمقارنة أجراها "الإمارات71"، حول ترتيب الدولة مع بعض الدول في المنطقة، تبين أنها تفوقت على السعودية التي احتلت المرتبة 133 عالميا، وتغلبت على مصر التي حلت في المرتبة 139 عالميا، وبزت البحرين التي سجلت المرتبة 131 عالميا.
ولكن الكويت تفوقت على الدولة، إذ احتلت المرتبة ال58 عالميا، كما تفوقت قطر أيضا التي احتلت المرتبة ال30 عالميا والأولى عربيا، فيما احتلت الإمارات المرتبة الثالثة عربيا.
أين الخلل؟
وإزاء عدم التناسب بين الجهود والأدوار التي تقوم بها الإمارات وانهيار موقعها على مؤشر السلام العالمي، تساءل إماراتيون عن مغزى هذا الحصاد المتواضع والمترهل، والذي قدمته مؤسسات دولية مستقلة ومرموقة لا يمكن التشكيك بحرفيتها ومهنيتها، على حد ما يقوله إماراتيون. ويقول ناشطون، إن ظاهرة العلاقة العكسية بين ما تعلن الدولة أنها تقوم به وبين النتائج والوقائع على الأرض باتت تميز أداء دولة الإمارات في كثير المجالات.
وقد استدل إماراتيون، رغم كل ما يقال عن التسامح وتمكين المرأة إلا أن الدولة جاءت في المرتبة 109 عالميا بمنح المرأة حقوقها، كما تراجعت الدولة 15 درجة على مؤشر الابتكار العالمي رغم أن عام 2015 كان عام الابتكار، ما يضع تساؤلات كبيرة ومعمقة حول هذا الخلل، ومن المسؤول عنه، وكيف يمكن حل هذه الإشكالية.