كشفت الأزمة الخليجية التي تفجرت بقطع بعض الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، مدى حاجتنا إلى الالتزام بمبادئ الإسلام وأخلاقه وتعاليمه في التعامل مع الأشخاص والأحداث، واستذكار معاني الأخوة الإسلامية، وضرورة الوقوف إلى جانب الحق والمظلوم، دون الخوف من لومة لائم، كما أظهرت كمية الحقد والحسد والكراهية الضخمة التي تراكمت في بعض النفوس.
الأزمات والفتن امتحان كبير يسقط فيه كثير من الناس، فيما ينجح فيه آخرون بفضل الله وتوفيقه، كما أنها تسقط الأقنعة وتظهر الوجوه على حقيقتها. ولو قمنا بتقييم ما يحدث منذ أيام وفق المعايير التي حددها الكتاب والسنة للمسلمين لرأينا أن هناك أزمة أكبر من تلك التي بين قطر والدول التي تحاول محاصرتها براً وبحراً وجواً، وهي الصمت المطبق أمام حجم الكذب والظلم والفجور في الخصومة.
النبي صلى الله عليه وسلم عدَّ الكذب والفجور في الخصومة من علامات المنافقين. وما نراه منذ أيام في الحملة الإعلامية والإجراءات العقابية والتصرفات الصبيانية التي تستهدف قطر دون وجود أسباب مقنعة لها، أبشع أمثلة الكذب والفجور في الخصومة، بدءاً من التعمد والإصرار على بث التصريحات الملفقة التي نشرت في موقع وكالة الأنباء القطرية المخترق، رغم نفي المسؤولين القطريين صحتها، وصولاً إلى المقاطعة والحصار.
العلماء ورثة الأنبياء، ويدخلون ضمن مفهوم «أولي الأمر» الذين أوجب الله على المسلمين طاعتهم في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم». وحين تقع الأزمات والفتن، تحتاج الأمة إلى توجيهات العلماء وقيادتهم ونصائحهم أكثر من أي وقت آخر، بصفتهم عقلاء الأمة وحكماءها. ولكننا نرى أن دور العلماء شبه غائب في هذه الأزمة الأخيرة، بل هناك من يؤيد الحصار الجائر على قطر ممن يحسبون على العلم والعلماء.
الساكت عن الحق شيطان أخرس، كما قال بعض السلف. وهناك من يدعو الله من هؤلاء «العلماء» أن يوفق من يعلن رغبته في القضاء على المقاومة الفلسطينية المرابطة في غزة العزة، الأمر الذي يثير الدهشة، ويدفع المرء إلى التساؤل: «هل بلغ بهم الخوف لهذا المستوى؟ وكيف يرضون بهذا الظلم؟ وأي علم يمكن أن تتلقى الأمة من مثل هؤلاء؟».
هذه الأزمة امتحان للجميع، ولكن امتحان العلماء أكبر من غيرهم. وقد تكون الضغوط عليهم كبيرة، إلا أن ذلك لا يجيز لهم الوقوف إلى جانب الظلم والكذب والخصومة في الفجور، والتحول إلى أدوات التدليس على المسلمين. ويخشى عليهم أن ينزلقوا نحو مسار يؤدي بهم في نهاية المطاف إلى أفضع من السكوت عن الدعوة إلى الأخوة والوحدة بين المسلمين
الأزمة بين قطر والدول التي تسعى فرض الوصاية على الدوحة قد تنتهي قريباً وقد تطول،، لكن قطر ستبقى صامدة إلى ما لا نهاية والدفاع عن سيادتها. وما يثلج الصدر ويبعث الأمل ويبشر بالخير، هو مستوى الوعي العالي الذي تتمتع به الشعوب الحرة رغم تخاذل العلماء.;