"قد يكونوا قد بالغوا كثيراً في تقدير مخاوف قطر من الانعزال وقدرتهم على الإضرار بها"..
هكذا يقيّم مارك لينش، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن الحصارَ الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين على قطر.
ويوضح لينش "بالحرب الكارثية في اليمن، بالغت السعودية والإمارات بصورةٍ كبيرةٍ في تصوُّرات نجاحهما، وفشلتا في وضع خطةٍ بديلةٍ معقولة في حال إن لم تجرِ الأمور وفق الخطة الموضوعة"، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وأضاف: "يبدو أن الرباعي المناهض لقطر قد بالَغَ في مخاوفِ قطر من الانعزالِ عن مجلس التعاون الخليجي، وكذلك في قدرتهم على إلحاق الضرر بجارتهم".
ففي الوقت الذي حاولوا فيه "تأديب" جارتهم "العنيدة" من خلال فرض عقوبات عليها، مطلع يونيو الماضي، كان من الصعب على قادة المملكة السعودية والإمارات تصور أن الأمور ستجري على هذا النحو.
فبدلاً من عزلِ قطر، فقد عمَّقَت هذه الخطوة من العلاقات القطرية مع تركيا وإيران كقوتين إقليميتين. ولم تنخرط عُمان والكويت، العضوتان في مجلس التعاون الخليجي في الحصار على قطر. ولا تزال الإمدادات الغذائية وغيرها من البضائع تتدفَّق إلى موانئ ومطارات قطر. وبصرف النظر عن الرسائل المُختَلطة من البيت الأبيض، يبدو أن الدبلوماسيين الأميركيين يدفعون باتجاه تصالحٍ وتسويةٍ مع قطر، بدلاً من إذعان الدوحة لمطالب السعودية والإمارات.
مزيد من الارتباك
ومما يضيف المزيد من الارتباك الذي يواجه دول الحصار. ما نُشر مؤخراً على لسان مسؤولين استخباراتيين أميركيين، لم يكشفوا عن هوياتهم، وجاء فيه أن الإمارات كانت وراء الاختراق المثير للجدل لمواقع الأخبار وشبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بالحكومة القطرية أواخر مايو 2017، الأمر الذي ساعد في إشعال الأزمة.
ونَسَبَ هذا الاختراق تصريحاتٍ مُزيَّفة لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مما أظهره يحتفي بإيران كـ"قوةٍ إسلامية" ويشيد بحركة "حماس" الفلسطينية.
ورغم نفي الدوحة القاطع لذلك، فقد عمدت السعودية والإمارات والبحرين ومصر أولاً إلى حظر وسائل الإعلام القطرية، ثم قطعوا لاحقاً العلاقات مع الدوحة وفرضوا مقاطعةً تجاريةً ودبلوماسية عليها.
ورَفَضَ يوسف العتيبة، السفير الإماراتي لدى واشنطن، هذه الادعاءات، قائلاً: "ليس للإمارات أي دورٍ على الإطلاق في الاختراق المزعوم الذي تحدَّث عنه التقرير".
وهناك سوابق كثيرة لشائعات وتلميحات غامضة غذَّت التوتُّرات في هذا الجزء من العالم. فقد شهد تمزُّق العلاقات في 2014 انتشار تقارير زائفة حول منع المواطنين السعوديين والإماراتيين من دخول متجر هارودز الفاخر في لندن، والمملوك من قِبَلِ صندوق الثروة السيادية القطري.
وأوضح مُحلِّلون أن المأزق الراهن هو امتدادٌ لخلافاتٍ وتوتُّراتٍ طويلةِ الأمد مع قطر، مما أثار غضب جيرانها الأكبر لاستخدامِ ثرواتهم للقيامِ بدورٍ أكبر على الساحة العالمية.
حيث رَسَمَ القطريون مساراً دبلوماسياً مختلفاً عن جيرانهم، إذ استضافوا مكاتب سياسية لمجموعاتٍ مثل طالبان وحماس، في محاولةٍ للتوسُّط في النزاعات الإقليمية. وكَتَبَ ديكلان والش في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: "على خلفية سيارات الليموزين والمراكب الشراعية الراسية في الخليج، صارت الدوحة مدينةً محايدةً بأصداءٍ من فيينا أثناء الحرب الباردة، أو نسخةً خليجيةً من منصة القراصنة في أفلام Star Wars".
وقال ديفيد روبرتس، مؤلف كتاب "Qatar: Securing the Global Ambitions of a City-State - قطر: تأمين الطموحات العالمية للمدينة الدولة"، لصحيفة نيويورك تايمز: "لطالما كان هناك ذلك المكان الذي يأوي إليه المشردون والمنبوذون". وأضاف: "ما مِن سلطةٍ شاملةٍ على شبه الجزيرة، لذا إذا كنت مطلوباً من شيخٍ، فبإمكانك الهرب إلى قطر ولن يضايقك أحد".
وتُعد جميع الدول المُتنازِعة حلفاءً للولايات المتحدة- تستضيف قطر القاعدة العسكرية الأميركية الأكبر في الشرق الأوسط.
ويبدو أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يفضل أن يهدأ الجميع ويصبوا تركيزهم على قضايا أخرى، بالأخص القتال ضد تنظيم داعش. وفي هذا الإطار وقَّعَ على مذكرةِ تفاهمٍ ضد "تمويل الإرهاب"، وتفاخَرَ القطريون بأنهم أول من وقَّعَ مثل هذا الاتفاق في المنطقة، وحثوا العرب المُتحالفين ضدهم على القيام بالأمر نفسه.
وأضافت: "تدعي الدول الأربع التي تتزعَّم الحصار على قطر، أن لها الفضل في الضغط عليها من أجل التوقيع، لكنها رفضت الاتفاق على الفور باعتباره "غير كافٍ" لإنهاء الحصار".
وبينما كان الإماراتيون يُنكرون ادعاءات الاختراق، يوم الإثنين 17 يونيوحزيران، غرَّدَت السفارة السعودية في واشنطن على حسابها على موقع تويتر اقتباساً من حوارٍ مع الرئيس ترامب انتقد فيه قطر قائلاً: "قطر معروفةٌ بأنها مُموِّلةٌ للإرهاب". ويُعد ذلك مثالاً آخر على التنافر بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية بشأن الأزمة، بل وتذكيراً آخر بأن النزاع في الخليج لن ينتهي قريباً.