أهم مخرجي الأفلام السينمائية لم يكن بمقدورهم تقديم شريط فيه هذا الكم الهائل من الإثارة والترقب والمتابعة لما يحدث، كما يحصل الآن مع أخبار الطائرة الماليزية المفقودة منذ ما يقارب الأسبوعين.
طائرة حديثة جدا من طراز بوينغ 777 العملاقة، مصنعة على أحدث قواعد وشروط السلامة، عليها محركان من شركة رولز رويس بأهم وأحدث المواصفات، تابعة لشركة طيران محترمة جدا لها سجل سلامة وأمان يضاهي أهم شركات الطيران العالمية. 50 طنا هو وزن الطائرة. عليها أكثر من 230 راكبا من جنسيات متنوعة ومختلفة.. رحلة عادية انطلقت من العاصمة الماليزية، كما هو مجدول لها، متجهة إلى العاصمة الصينية بكين، ولكنها لم تصل؛ لأن الاتصال معها انقطع بمجرد خروجها من الأجواء الماليزية ودخولها للأجواء الفيتنامية. فورا بدأ البحث. وشاركت دولة وراء الأخرى بكل ما لديها من وسائل، حتى بلغ عدد الدول التي تعمل الآن على البحث عن الطائرة أكثر من 52 دولة حول العالم، مستخدمة أحدث أدوات ومعدات ووسائل البحث، فيما توفره قواتها البحرية والجوية، مع عدم إغفال استخدام كل ما هو ممكن من وسائل التحري والمراقبة والاتصال والتواصل الجوي والفضائي.
على الرغم من كل هذا الأمر، فقد اختفت الطائرة تماما، أو كما يقول المثل الشعبي الدارج المعروف «فص ملح وذاب»، ما يثير التعجب أن هذا يحدث اليوم، في الزمن الذي اختفى فيه تماما أي معنى للخصوصية، وبتنا نحيا ونعيش وكل أمورنا تحت المجهر، اتصالات الشعوب والرؤساء مخترقة وبريدهم الإلكتروني معروف ومكشوف لمن يستطيع الوصول إليه. الكاميرات في كل الأمكنة والجريمة يتم الكشف عن فاعلها بسرعة شديدة في الكثير من الأحيان، ويكون الكشف مدعوما بأدلة دامغة صوتا وصورة، فيمكن أن يلتقط قاطع إشارة المرور ومتجاوز السرعة وسارق المحلات وكل من يوجد في الأسواق والمطارات والموانئ ومحطات القطار.. كيف يمكن لطائرة أن تختفي من البحار والسماوات والأراضي دون أي أثر؟ رادارات وأقمار صناعية تلتقط الشاردة والواردة، تستطيع قراءة لوحة سيارة في شارع فرعي ضيق من سماوات بعيدة ولا يمكن معرفة أين اختفت الطائرة؟ طبعا هذا كله «فتح» مساحة عظيمة من نظريات المؤامرة والخيال العلمي التي انطلقت بلا هوادة في محاولات لتفسير ما حصل للطائرة! فمنهم من قال إنها اختفت بسبب ثقب أسود ودخلت إلى غياهب الفضاء بعد «شفطها» فيه، وآخرون قالوا إنها مخلوقات فضائية، وطبعا هناك من «يؤكد» أن جهات عسكرية قامت «بإسقاط» الطائرة نظرا للشخصيات «الخطيرة» التي كانت على متنها.
واقع الأمر أنه للآن لا توجد «قصة» متكاملة ومققنعة تشرح ما حدث للططائرة وكيف اختفت، ولكن من المؤكد والواضح جدا أن هناك العديد من «الثغرات» التي يجري الآن العمل على تلافيها، سواء كان ذلك الأمر في المطارات وتحديدا إيجاد وسيلة أفضل وأدق لمطابقة بيانات جواز السفر مع شخصية الراكب الذي يحمله (لمنع ما حصل من وجود راكبين يحملان جوازي سفر مسروقين)، وتطوير آليات المتابعة حتى لو تم فصل الرادار الذي بالطائرة سواء عمدا أو عن طريق الحادث العارض، وتمديد فرصة الحصول على إشارات من الطائرة ومحركها بعد سقوطها لمدة تتجاوز الشهر إلى تسعين يوما، وأن لا يحصر فقط هذا الأمر في الصندوق الأسود، بل أن تكون هناك إشارات صادرة من أجهزة وقطع أخرى من الطائرة، أما التطور المنشود والمنتظر فسوف يكون في أجهزة الرادارات وخصوصا المتعلق بالمدني منها، فهو كما يبدو متخلف جدا عن «العسكري» والعسكري «المتطور» هو الآخر لم يستطع حل اللغز الغريب، كل كارثة ومصيبة تمر على العالم هي فرصة للتطوير والبحث والإعداد.
الطيران لا يزال أكثر وسائل النقل أمنا وأمانا، وكم التطور في مجال الأمان والسلامة الذي حصل فيه عبر السنوات الأخيرة مذهل، وأعتقد أننا سندخل بعد هذه الحادثة العجيبة موجة مهمة من التطور في مجال أمن الطائرات وسلامة مراقبتها بشكل مدهش وغير مسبوق هو أقرب للخيال العلمي نفسه.