لم يكتف حقوقيون فرنسيون بالتفرج بعد صدور تحقيق صحفي أثبت تزويد شركة فرنسية نظام عبد الفتاح السيسي بوسائل تجسس متطورة بتمويل إماراتي، حيث تقدموا بدعوى قضائية ضد الشركة، مؤكدين أن ما قامت به تواطؤ في التعذيب والاختفاء الممارس بحق المعارضين في مصر.
وقدمت كل من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان بالتنسيق مع منظمة حقوقية مصرية مؤخرا دعوى أمام المحكمة الجنائية في باريس ضد شركة "أميسيس" -التي تحولت إلى نيكسا تكنولوجي- لبيعها منظومة التجسس لنظام السيسي.
ورفعت المنظمات الحقوقية الشكوى الجنائية بناء على تحقيق صحفي نشر الصيف الماضي، في جريدة فرنسية. ويمكن برنامج التجسس من التنصت على ملايين المواطنين، وبالتالي سهولة التعرف عليهم واعتقالهم، كما أنه يسمح باعتراض كل أنواع المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، إضافة إلى قرصنة البريد الإلكتروني، والتجسس على مختلف الرسائل الإلكترونية، في وسائل التواصل الاجتماعي.
تواطؤ
وقال المحامي والرئيس الشرفي للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان باتريك بودوان للجزيرة نت إن الدعوى المقدمة للوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية في مكتب المدعي العام، تطالب بفتح تحقيق عاجل في اتهام شركة نيكسا تكنولوجي، بالتواطؤ في التعذيب والاختفاء القسري لآلاف المعارضين والناشطين في مصر، إضافة إلى قتل وإعدام العديد من المعارضين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
وأضاف بودوان أن بيع أجهزة تجسس من قبل شركة نيكسا تكنولوجي "لنظام دكتاتوري يقمع شعبه"، يعد "فعلا إجراميا شنيعا"، يفرض تحرك جهاز القضاء الفرنسي، لمنع هذا النوع من الصفقات، وتقديم الشركة الفرنسية للمحاكمة.
تمويل إماراتي
مفجر فضيحة الصفقة الصحفي صاحب التحقيق الاستقصائي في صحيفة "تيليراما" أوليفييه تيسكيه أكد للجزيرة نت أن الإمارات أهدت عبد الفتاح السيسي بعد تنفيذه الانقلاب العسكري نظاما متطورا للمراقبة، الهدف منه تعقب ومطاردة المعارضين، وبينهم الإخوان المسلمين.
وكشف تيسكيه أن الإمارات قامت بدفع مبلغ عشرة ملايين يورو (12 مليون دولار) لاقتناء البرنامج من شركة نيكسا تكنولوجي عبر شركتين، إحداهما في دبي.
وأفاد تيسكيه بأنه تم توقيع الصفقة في مارس 2014، وتم إطلاق اسم "تولبيرون" على برنامج التجسس.
هذه الشكوى لا تعد الأولى من نوعها ضد نيكسا تكنولوجي، حيث سبق أن قدمت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان دعوى ضد الشركة نفسها عام 2011، بناء على ما كشفه موقع ويكيليكس حول بيعها أجهزة تجسس لنظام معمر القذافي لقمع معارضيه.
ضحايا التعذيب
وقال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "إفدي" الدولية لحقوق الإنسان، فرع فرنسا، عبد المجيد مراري إنه يعمل مع المنظمات الحقوقية الفرنسية التي رفعت الشكوى الجنائية من أجل استضافة عشرات الضحايا المصريين، للإدلاء بشهاداتهم أمام القضاء الفرنسي فور فتح تحقيق جنائي في الملف، حيث سيوضح الضحايا كيفية تعرضهم للاختطاف القسري والتعذيب في السجون على يد نظام السيسي.
كما كشف مراري عن أن منظمته -بدورها- بصدد رفع دعوى قضائية في باريس ضد شركات فرنسية تبيع أجهزة بث تلفزيوني لقنوات مصرية، تحرض على قتل المعارضين والناشطين الحقوقيين المناهضين لنظام السيسي.
غض الطرف
وعن احتمال وجود ضغوط سياسية تمارسها الحكومة الفرنسية على القضاء من أجل عدم فتح تحقيق جنائي في الملف، لتجنب توتير العلاقات بين باريس والقاهرة، أوضح باتريك بودوان أن هذا الاحتمال قائم، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن القضاء الفرنسي يبقى نزيها، وفيه من القضاة الشرفاء الذين لا يخشون أي سلطة، ويرفضون أي ضغوط مهما كان مصدرها.
بدوره، قال أوليفييه تيسكيه إن السلطات الفرنسية كانت على علم بالصفقة، لكنها غضت الطرف عنها، على اعتبار أنها كانت موجهة لمحاربة الإرهاب.
وحاولت الجزيرة نت مرارا التواصل مع شركة نيكسا تكنولوجي للاستفسار عن الاتهامات الموجهة لها، لكن المسؤولين فيها رفضوا الإدلاء بأي تصريح.