بعدما أعاد قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي تأكيد سيطرته على الملف الفلسطيني، وأن المفاتيح بيد القاهرة، بدأت مصر مدَّ مجال نفوذها إلى لبنان، باستقبالها لرئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، قبل عودته إلى بيروت من "المنفى" الذي فُرض عليه في باريس، ما قد يضع القاهرة في "مواجهة" مباشرة مع أبرز حليفين: السعودية والإمارات، بهذه المقدمة تحدثت "هاف بوست عربي".
ويبدو أن ما تطمح إليه مصر لا يقتصر على أن يكون دورها وسيطاً في حلّ القضايا الإقليمية كأزمة الحريري الأخيرة، بل يتعداها إلى دور رئيسي قيادي فاعل في المنطقة؛ ووفق ما ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية، فإن الجانب المصري حاول تبني فكرة أن تتولى القاهرة ضمان التزام الحريري بسقف مقبول من السعودية وأميركا، وعرضت على الرياض أن تقوم هي (مصر) برعاية الحريري، بدلاً من السعودية.
وتتابع: "بحسب مصادر دبلوماسية عربية، فهناك احتجاج مصري من استمرار تجاهل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للقاهرة في خطواته الإقليمية".
وقالت: "إن شكري شدَّد خلال جولته على أن القاهرة لا تقبل بأن يتم إخبارها بالخطوات عبر الإعلام، ولن تقبل تكرار بعض الأخطاء التي رافقت انطلاقة المعركة ضد قطر، حيث تبيّن أن السعودية والإمارات بادرتا إلى خطوات ضد الدوحة، من دون إشعار المصريين بها مسبقاً".
وذكرت الصحيفة اللبنانية، أن التحركات الدبلوماسية المصرية المكثفة خلال الفترة الأخيرة، كشفت عن حجم القلق ليس داخل مصر وحسب، وإنما في الكويت والأردن أيضاً، تجاه ما يقوم به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من خطوات "مرتجلة".
لا علم للإمارات بما جرى مع الحريري
وبحسب المصادر ذاتها، فإن المصريين سمعوا في أبوظبي، خلال جولة وزير الخارجية سامح شكري الأخيرة، أن المسؤولين الإماراتيين لم يكونوا على علم مسبق بما جرى مع الحريري في الرياض، وأنهم ساعدوا على إقناع بن سلمان بتركه يعود إلى بيروت.
وكان الحريري الذي أعلن استقالته المفاجئة، في (4|11) الجاري، من الرياض، قد تسبب بأزمة وبلبلة كبيرة على الساحة العربية والدولية، إذ اتهم المسؤولون اللبنانيون السعودية بإجباره على الاستقالة ووضعه قيد الإقامة الجبرية.
وكان إعلان الحريري نيته التوجه إلى مصر ولقاء السيسي الثلاثاء قبل عودته إلى لبنان الأربعاء، 22 نوفمبر، يصبّ في ذات الاتجاه الذي تلعبه مصر مع فرنسا إزاء هذه الأزمة؛ فكان اللقاء مميزاً كما وصفه رئيس الوزراء اللبناني المستقيل بتغريدته على تويتر.
وتقول صحيفة إلموندو الإسبانية، إن ذهاب الحريري إلى السيسي يعزز دور الوساطة المصرية، التي تلعب دوراً في أزمة سياسية حوَّلت لبنان إلى ساحة جديدة لمعركة إقليمية تخوضها إيران والسعودية، حيث يؤكد السيسي على الحاجة إلى أن تتوصل جميع الأطراف اللبنانية إلى توافق في الآراء، ورفض محاولات التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبنان.
وقد سبق لقاءَ السيسي-الحريري، بحسب مصادر سرية ذكرتها الأخبار اللبنانية، اجتماع سري عُقد بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والسيسي، حيث كان الأخير يزور نيقوسيا للمشاركة في قمة ثلاثية مع نظيريه اليوناني والقبرصي، تم خلاله الاتفاق على مبادرة مشتركة لمعالجة الوضع في لبنان. فيما لم تؤكد المصادر أو تنفي أن يكون الاجتماع عقد في قبرص.
وتضيف المصادر أن "مصر قلقة جداً حيال الأزمة في لبنان، ولذلك طالبت جميع حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم الإمارات، بممارسة ضغوط على بن سلمان لإقناعه بألا يبادر مرة جديدة إلى خطوات مرتجلة، وبأن يعمل على السير في تثبيت استقرار لبنان، من خلال ترك الحريري يعيد صياغة اتفاقاته اللبنانية، ويبقى في رئاسة الحكومة".
وبعيداً عن سخط السيسي من تجاهلات بن سلمان، الذي استطاع بتحركاته الأخيرة أن يوصل صداه لحلفائه بشكل دقيق، تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية، إنه استطاع أن يحافظ على علاقاته مع الرياض، رغم اتّباعه سياسات إقليمية مغايرة لها، خاصة في سوريا واليمن.
وكان السيسي قد أعلن في وقت سابق من الشهر الجاري، بأن مصر لا تفكر في اتخاذ أي إجراءات ضد حزب الله، وأنه يعارض فكرة توجيه ضربات عسكرية ضد إيران؛ لأن هناك ما يكفي من الاضطرابات في الشرق الأوسط. إلا أنه جدَّد تعهده بالانضمام إلى دول الخليج إذا كان أمنها مهدداً بشكل مباشر.