أثارت التقارير الأولية التي أشارت إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تبيع مقاتلات من طراز F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة، مخاوف البعض من أن إتمام الصفقة قد يطلق سباق تسلح في المنطقة، وقد يؤدي إلى إلغاء هامش التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي.
وكان شيمون عراد، وهو عقيد متقاعد من قوات الدفاع الإسرائيلية، قد دعا في مقال نشر في يونيو 2017 في مجلة «ناشيونال إنترست» الولايات المتحدة الأمريكية إلى تزويد إسرائيل باحتكار إقليمي طويل الأمد للمقاتلات من طراز F-35.
واستند الكاتب آنذاك في دعوته إلى أنه وبما أن التفوق الجوي الإسرائيلي – الذي لا يزال حاسمًا لتحقيق هامش التفوق العسكري النوعي – قد تآكل بالفعل بشكل خطير من خلال بيع كميات كبيرة من المقاتلات الأمريكية المتقدمة والذخائر إلى دول الخليج، فإن ميزة إسرائيل الوحيدة الحقيقية ستكون من خلال احتكارها الحصول على مقاتلات من طراز F-35.
الكاتب الذي كان رئيسًا لوحدة التخطيط الاستراتيجي في المكتب السياسي والعسكري بوزارة الدفاع الإسرائيلية بين عامي 2011-2016، قال في مقال نشرته مؤخرًا ذات المجلة «إن الاعتقاد الإسرائيلي بأنها ستكون المتلقي الإقليمي الوحيد للجيل الخامس من مقاتلات F-35 لفترة طويلة من الزمن لعب دورًا هامًا في تقبلها لبيع أعداد كبيرة من مقاتلات الجيل الرابع إلى دول الخليج في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وقد تم طمأنة إسرائيل مرارًا وتكرارًا بأن بيع طائرات F-35 إلى دول الخليج ليس مطروحًا على الطاولة».
ومع ذلك ذكر الكاتب أن إدارة ترامب تنظر حاليًا في إمكانية بيع مقاتلات F-35 إلى الإمارات. وأكد ستيفن ويلسون، نائب رئيس القوات الجوية الأمريكية مؤخرًا أن وزارة الدفاع بدأت محادثات مبدئية مع الإمارات حول هذه المسألة، وفق ترجمة "ساسة بوست".
وفي حين أن القرار النهائي بشأن إتمام أية صفقة من هذا القبيل سيتطلب مزيدًا من الوقت، فإن التقارير الأخيرة التي تستند إلى جلسات إحاطة غير رسمية من قبل المسؤولين الإداريين و/أو المسؤولين عن الصناعة تمثل اللقطة الافتتاحية في حملة الحصول على الموافقة على البيع، بحسب ما ذكره الكاتب.
«بالون اختبار»
بحسب الكاتب، فإن التقارير تعد بمثابة «بالون» للاختبار، ومحاولة التأثير على موقف إسرائيل الرافض لخطوة كهذه. وبينما لم تعلن إسرائيل عن أي تعليق رسمي، فإن التقرير الذي نشره موقع «the Defense News» يتضمن إشارة إلى «مصدر» قال بأنه «من غير المرجح أن تعترض إسرائيل؛ إذا كانت الخطوات الأولية تقتصر على دولة الإمارات فقط، ولن تمتد الموافقة لتشمل دولًا أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي».
وتابع الكاتب بقوله «إن الإشارة إلى إطار زمني طويل للصفقة، واقتصار الموافقة على دولة الإمارات، وموافقة البعض في إسرائيل على عملية البيع كما يبدو، على الرغم من التصورات الخاطئة، تهدف إلى التأثير المسبق على الموقف الإسرائيلي تجاه الصفقة».
وأوضح الكاتب أن الفئة الثانية التي تستهدفها التقارير للتأثير عليها هي أعضاء الكونجرس الأمريكي. ونظرًا للأهمية التي يوليها الكونجرس لهامش التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي، فإن هناك حاجة إلى عملية طويلة لإقناعهم أن هناك حاجة لبيع مقاتلات F-35 إلى دول الخليج. وهنا توجد صلة هامة بالموقف الإسرائيلي. كلما كانت المعارضة الإسرائيلية أضعف، كلما كان الأكثر احتمالًا هو إقناع الكونجرس في المستقبل بالموافقة على الصفقة، والعكس صحيح.
وتهدف التقارير أيضًا – بحسب الكاتب – إلى إعادة تأكيد التزامات واشنطن تجاه الإمارات، واستعدادها المحتمل لتسليم طلبات الأسلحة الإماراتية الرئيسة التي يعود تاريخها إلى عام 2011. اعتمدت دولة الإمارات عددًا من الاستراتيجيات التي تهدف إلى إظهار عدم رضاها عن رفض الولايات المتحدة الدخول في محادثات بشأن بيع مقاتلات من طراز F-35. فمن ناحية وقعت الإمارات مؤخرًا اتفاقًا موسعًا بين الولايات المتحدة والإمارات للتعاون الدفاعي، بينما رفضت من ناحية أخرى حتى الآن إبرام صفقة معلقة لشراء 30 طائرة من طراز F-16.
كما أضافت أبو ظبي ضغوطًا على الولايات المتحدة من خلال توقيع اتفاق مع روسيا لتصنيع طائرة جديدة تنتمي إلى الجيل الخامس من المقاتلات. ويأتي ذلك في الوقت الذي تقوم فيه الإدارة الأمريكية بتطوير استراتيجية جديدة لمواجهة إيران، تتطلب دعم الخليج.
إسرائيل قد توافق في النهاية
ورصد الكاتب 3 تصورات خاطئة قد تقود البعض في إسرائيل إلى تبني موقف غير مناهض للصفقة، وجاءت هذه التصورات كما يلي:
أولًا: يمكن أن يقتصر بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 على الإمارات فقط.
وقال الكاتب – موضحًا الخطأ في تصور كهذا – إن بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 لن يقتصر على الإمارات. وبدلًا عن ذلك، سيتم الإشارة إلى مثل هذه الصفقة في دول الخليج، باعتبارها سابقة تحدث لأول مرة، وسوف يطالبون بالحصول على مقاتلات F-35 أيضًا.
وتساءل الكاتب بقوله: كيف يمكن للولايات المتحدة رفض طلب سعودي مستقبلي لطائرة F-35 بعد بيعها إلى الإمارات؟ وأضاف أن صفقات الأسلحة السابقة مع دول الخليج تظهر أنه بمجرد تجاوز المراحل الأولى – على سبيل المثال بيع مقاتلات الجيل الرابع المتقدمة أو الذخائر الموجهة بعيدة المدى – فإن انتشار هذه القدرات بين دول الخليج يكون على نطاق واسع وسريع.
ثانيًا: يشير البعض إلى أنه، وحتى عندما تحصل الإمارات على مقاتلات F-35، فإن إسرائيل سيظل لديها التفوق العسكري؛ كونها المشغل الأكثر خبرة للمقاتلات، وكون طائراتها من طراز F-35 أكثر تقدمًا مقارنة بتلك التي ستباع إلى دول الخليج. وبهذه الطريقة سيتم الحفاظ على هامش التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي.
وقال الكاتب مبينًا لخطأ هذا التصور «في واقع الأمر، فإن بيع طائرات F-35 إلى دول الخليج هو متغير عسكري أساسي من شأنه أن يؤدي بالاقتران مع مقاتلات الجيل الرابع المتقدمة وعشرات الآلاف من الذخائر المتطورة إلى إلغاء التفوق العسكري الإسرائيلي. ستضع مقاتلات F-35 والكميات الكبيرة من مقاتلات الجيل الرابع المتقدمة دول الخليج على الأقل على قدم المساواة مع القوات الجوية الإسرائيلية. وستكون الطريقة الوحيدة المقبولة للحفاظ على التفوق الجوي الإسرائيلي هي تزويدها بمقاتلات من طراز F-22».
ثالثًا: أن دول الخليج لديها بديل روسي يمكن الاعتماد عليه على المدى البعيد.
وفقًا للكاتب، فهذا تصور خاطئ، إذ إنه حتى لو تمكنت دول الخليج والروس من تطوير مقاتلات من الجيل الخامس، فإنها ستشكل إعاقة خطيرة في مجال العمليات التي تدعمها الشبكة في ساحة المعركة الحديثة. ولن تسمح الولايات المتحدة لهذه المنصات بالاتصال مع الجيل الرابع من المقاتلات الأمريكية التي تشكل العمود الفقري للقوات الجوية لدول الخليج. ومن ثم فإن مقاتلة روسية من الجيل الخامس قائمة بذاتها سوف تتعارض مع متطلبات ساحة القتال في المستقبل.
وخلص الكاتب إلى أن بيع طائرات F-35 إلى الإمارات من شأنه أن يشكل سابقة خطيرة ستؤدي إلى مزيد من المبيعات لدول الخليج الأخرى، وسوف تقوض بشكل خطير هامش التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي. ويتعين على إسرائيل أن تعرب عن معارضتها الشديدة لبيع مقاتلات F-35 إلى أية دولة خليجية وعربية.