بعد نحو أسبوعين على انطلاق معركة الحديدة التي تصدرتها أبوظبي ضد الحوثيين، تفقد المعركة زخمها وتراوح مكانها، وتدخل مرحلة النزيف والاستنزاف في مجالات شتى. وإذ لا تزال المعركة مستمرة، على ذات "الوتيرة"، فكيف باتت ملامحها، وما هي معالم خسارة أبوظبي فيها حتى الآن؟!
لماذا الحديدة؟
بعد أكثر من 3 سنوات من اندلاع حرب اليمن في مارس 2015، وتحديدا في (13|6) الجاري، أخذت أبوظبي على عاتقها شن عملية عسكرية وصفت بالكبرى لطرد الحوثيين من الحديدة، وخاصة من مينائها؛ الذي يمد اليمنيين بالمساعدات الإنسانية والغذاء والدواء.
الوزير أنور قرقاش برر هذه العملية بالقول: إن الحوثيين يستخدمون الميناء لاستقبال أسلحة إيرانية مهربة، كما يشكل الميناء، مصدر دخل أساسي للحوثيين الذين يحصلون على ملايين الدولارات مقابل الرسوم على السلع التي تعبر منه.
ومقابل رواية أبوظبي، يقول ناشطون يمنيون: إن أبوظبي تستهدف السيطرة على آخر ميناء يمني ليس في قبضتها، بعد أن سيطرت بالفعل على جميع الموانئ اليمنية، في إطار ما يوصف "مصالح أبوظبي الخاصة" في اليمن، ولا سيما بعد أزمة سقطرى مؤخرا.
اندلاع المعركة
مارست أبوظبي ضغوطا هائلة على الحوثيين لتجنب دخول معركة الحديدة، وذلك من خلال تشديد الحصار والطلب من الحوثيين تسليم الميناء والمدينة بدون قتال، والضغط بورقة الأوضاع الإنسانية، غير أن الحوثيين رفضوا جميع مطالب أبوظبي وأصروا على القتال.
ولعل أبرز حدث حتى الآن في المسار العسكري، هو تضارب الأنباء واسع النطاق في سيطرة أبوظبي على مطار الحديدة الذي نفاه الحوثيون تماما، وقدموا القرائن والدلائل على عدم سقوط المطار في يد التحالف.
ومقابل تكرار قرقاش مطالباته للحوثيين طوال أيام المعركة بالانسحاب من الحديدة بدون أي قيد أوشرط، قال نائب المتحدث العسكري باسم مليشيات الحوثي عزيز راشد، في حوار مع وكالة "سبوتنيك"، الروسية: إن المهلة التي حددتها أبوظبي والمقدرة بثلاثة أسابيع مرت دون فعل شيئاً على الأرض.
وأضاف:" ها قد مر اليوم (25|6) أربعة أسابيع على تلك التصريحات الإعلامية والتهديد والوعيد والفقاعات الإعلامية، وكشف الجيش واللجان الشعبية ( قوات تابعة للحوثيين)، كذب تلك الإدعاءات"، على حد قوله.
معركة الحديدة ميدانيا
رسميا، وبعد ساعات من بدء المعركة أعلنت قواتنا المسلحة عن ارتقاء 4 شهداء أحدهم برتبة ضابط، ولكنها لم تشر، كالعادة، إلى مكان وملابسات استشهادهم. غير أن المرجح أن الشهداء قضوا في معركة الحديدة. الناشط الإماراتي حسن الدقي في كلمة له بمناسبة عيد الفطر الأسبوع الماضي، أشار أن عدد الشهداء قد يكون أكبر من ذلك بكثير، دون أن يقدم معلومات محددة في هذا السياق.
وعلى صعيد متصل، زعمت قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين، عن مصدر عسكري، قوله إنه " تم استهداف بارجة "معادية" قبالة سواحل الحديدة بصاروخين بحريين". ومن جهتهم، أكد مسؤولون في البنتاغون استهداف الحوثيين بارجة إماراتية قبالة السواحل اليمنية بصاروخين، واشتعال النيران فيها.
كما أعلن الحوثيون إفشال إنزال بحري لقوات سعودية وإماراتية قرب ميناء الحديدة، بتاريخ (14|6).
تخلي واشنطن عن أبوظبي
بينما يفاخر سفير الإمارات في واشنطن من حين لآخر، بخوض أبوظبي 6 حروب أمريكية في العالم خلال الربع قرن الأخير، تخلت واشنطن بصورة علنية عن تقديم أي نوع من أنواع الدعم لأبوظبي في هذه المعركة، بل تحول الأمريكيون إلى طرف ضاغط على الإمارات للحيلولة دون وقوع المعركة.
وبحسب مراقبين، فإن تخلي إدارة ترامب عن أبوظبي في هذه المعركة يعد خسارة عسكرية ودبلوماسية "ثقيلة"، لا شك أنها تلقي بظلالها على تعقد المعركة وطول أمدها وفداحة ثمنها على الإمارات.
وقبيل المعركة، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول إماراتي قوله: إن الولايات المتحدة رفضت طلب الإمارات تقديم الدعم لعملية التحالف العربي في اليمن، خاصة تقديم معلومات استخباراتية وإزالة ألغام ومراقبة واستطلاع للعملية العسكرية في ميناء الحديدة.
وأكثر من ذلك، ذكر مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة حذرت حليفتها الإمارات من شن هجوم على مدينة الحديدة خشية التسبب بأزمة إنسانية جديدة.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض: إن واشنطن تعارض أي جهود من جانب الإمارات والقوات اليمنية التي تساندها للسيطرة على المدنية.
كما كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن أن واشنطن قد تقطع المساعدات العسكرية الأمريكية عن التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية، في حال شنّ عمليات عسكرية في ميناء الحديدة.
وذكرت الصحيفة أن مجلس الشيوخ الأمريكي يسعى لإبلاغ الإمارات والسعودية بأن الهجوم المحتمل على الحديدة قد يؤدي إلى قطع المساعدات الأمريكية عن التحالف العربي في اليمن.
المعركة تخسر دبلوماسيا
كان الوزير أنور قرقاش، قد سوّق أن هدف معركة الحديدة الرئيس، هو إعادة الحوثيين لطاولة المفاوضات، للوصول إلى حل سياسي في اليمن. ورغم تقديم هذا الموقف للعالم بهدف كسب التأييد الدولي للعملية العسكرية، إلا أن العالم أدار ظهره لهذه الرواية، بدءا من واشنطن إلى أوروبا إلى المنظمات الحقوقية الأممية والدولية.
و ذكر دبلوماسيون ومصادر في مجال الإغاثة، الجمعة (22|6) أن فرنسا ستخفض مستوى التمثيل في مؤتمر إنساني مشترك مع السعودية بشأن اليمن بعد اندلاع معركة الحديدة.
وقال دبلوماسي فرنسي:”الهجوم على الحديدة زاد من صعوبة تبرير عقد هذا المؤتمر، خاصة في ظل عدم حضور جميع الأطراف“.
ومن جهتها، اعتبرت لجنة الإنقاذ الدولية خطة الإغاثة التي أعلنتها الإمارات والسعودية لحماية المدنيين بالحديدة "مجرد إعلان لصرف الانتباه بعيدا عن المعاناة الكبيرة التي يسببها الهجوم على الحديدة"، على حد تعبيرها. ودعت "لجنة الإنقاذ" في بيان: إلى النظر بدقة فيما سمي بخطة الإغاثة، معتبرة إياها تبريرا لشن هجوم ستكون له عواقب وخيمة وكارثية.
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إن المنظمة الدولية تقوم بدبلوماسية مكوكية ”مكثفة“ بين جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن من جهة، والتحالف العربي من جهة أخرى في مسعى لمنع الهجوم على ميناء الحديدة اليمني.
وبدورها، حذرت الأمم المتحدة من أن أي هجوم عسكري أو حصار سيقوم به التحالف للحديدة، قد يودي بحياة 250 ألف شخص.
انعكاسات أمنية للمعركة
وردا على معركة الحديدة، زعم متحدث عسكري باسم الحوثيين من أن أبوظبي لم تعد آمنة بعد اليوم، وأنها في مرمى الصواريخ، على حد قوله.ودعا العميد الركن شرف غالب لقمان المستثمرين في دبي وأبوظبي إلى أخذ تصريحاته على محمل الجد.
وما زاد من خطورة هذا التطور الأمني، أن بريطانيا حذرت، السبت (23|6)، كافة رعاياها في الإمارات، مما ووصفته بأنه سيكون استهداف صاروخي محتمل على دبي وغيرها. و نشرت الخارجية البريطانية عبر موقعها الرسمي، تحذيرا أمنيا لكافة رعاياها في الإمارات، ومن ينوون زيارة دبي وباقي المدن الإماراتية، عنوته باسم "تحديث وقائعي عن الصواريخ المحتملة".
وقالت الخارجية في تحذيرها إنه من المرجح أن ينفذ الإرهابيون هجمات في الإمارات.
مسار المعركة مستقبلا
ليس معروفا على وجه الدقة بعد، عما ستؤول إليه معركة الحديدة في ظل التطورات الميدانية والسياسية، غير أن المعركة كشفت عن خسارة أبوظبي الصورة الإعلامية أيضا، إلى جانب خسائرها سالفة الذكر، في ظل توارد التقارير عن الضحايا المدنيين، وتكثيف الضغوط والرسائل الدولية والأممية لوقف هذه المعركة.
ومن جهة أخرى، وإثر استنجاد أبوظبي والرياض بالجيش الأمريكي لمساعدتهما عسكريا واستخباريا للسيطرة على الحديدة في مواجة مليشيات حوثية أقل تسليحا بأضعاف من السعودية والإمارات، فإن التساؤل الرئيس: من كان يقف خلف الإنجازات السابقة في اليمن خلال سنوات الحرب المندلعة منذ مارس 2015؟! وهو ما يلقي بظلال قاتمة على التوقعات المرتبطة بمسار هذه المعركة!