من درعا بدأت الحكاية/ الفضيحة لنظام مجرم، ردّ بالموت والتدمير على مطالب شعب بالحرية والكرامة، ومن ورائه (النظام) قتلة تلطوا خلف شعارات «ممانعة» كاذبة، فيما يعلم الجميع ما وراء نصرتهم لنظام طائفي أمني ساقط.
لم يكن ذلك الطفل الجميل حمزة الخطيب يحمل سلاحاً، ولم يكن ثمة رصاص في الثورة بعد، وكل جريمته أن خط شعارات على حائط ضد النظام، فكانت النتيجة هي الاعتقال والتعرّض لأبشع ما عرفته البشرية من تعذيب بحق طفل بريء، حيث تم تشويه جسده وانتزاع أعضائه.
كان ذلك في 25 يونيو عام 2011، حين كان النظام يتوسل رصاصة واحدة كي يتهم الثورة بالإرهاب، بحسب اعتراف نائب بشار (فاروق الشرع)، وهو الاعتراف الذي كلّفه إقامة جبرية لا تزال مستمرة حتى الآن.
نذكّر بذلك فقط، من أجل تعكير صفو جحافل من الشبيحة الطائفيين من كل لون، والحزبيين الذين فقدوا إنسانيتهم بانحيازهم لقاتل مجرم، والذين لا يتوقفون عن تكرار حكاية الإرهاب.
أما الجانب الآخر الذي يعكّر صفوهم، فهو تذكيرهم بأن ما يسمّونه انتصاراً، ويفسّرونه بانحياز الشعب لصالح المجرم لا علاقة له بما يقولون، بل بمعادلة حقيرة عاشتها هذه الثورة التي عرفت يُتماً ربما لم تعرفه ثورة في البشرية.
ما يسمونه انتصاراً لا علاقة له مطلقاً بالشعب (الغالبية بتعبير أدق)، فقد ترنح النظام أمام إرادة الشعب، قبل أن تتدخل إيران بكل قوتها، وحين عجزت عن حماية النظام استدعت قوة دولية كبرى هي روسيا، وحين عجزت هذه الأخيرة أيضاً عن تحقيق المطلوب في شهر ولا شهور طويلة، كما وعد بوتن، لجأت إلى الخيار الأسهل الذي يجيده بوتن، وهو خيار الأرض المحروقة.
في خيار من هذا النوع، تصبح المقاومة صعبة وباهظة الكلفة، لا سيما حين لا تملك قوى المقاومة سلاحاً مضاداً للطيران. ولتذكير جحافل الشبيحة أيضاً؛ وللتنغيص عليهم كذلك، فإن من منع هذا السلاح عن الثوار بالضغط الرهيب على كل الجهات التي دعمت الثورة، هي أميركا بطلب من الصهاينة أيضاً، في حين كانت الجهات الداعمة أضعف من أن تتمرد على ذلك، وهي التي تخلّت في وقت لاحق عن الثورة، حين انشغلت بمعارك جانبية، كما هو حال الأزمة الخليجية التي تبدو الأكثر تعبيراً عن خلل الأولويات عند من أطلقوها.
اليوم لا تملك درعا القدرة على مواجهة سياسة الأرض المحروقة، لا سيما أن الموقف الأميركي بدا أكثر افتضاحاً، ومنح الروس الضوء الأخضر لضرب معاقل الثوار في درعا، وهو أمر سيمر أيضاً على جحافل الشبيحة كأنه لم يكن!!
لم تنته الحكاية بعد، فلا تزال سوريا بعيدة عن الاستقرار، وهي لن تستقر من دون حل يلبي الحد الأدنى من طموحات الغالبية. فهنا والآن بلد مُدمّر، ويحتاج مئات المليارات لكي تجري إعادة إعماره من جديد، وإيران التي دفعت كلفة الحرب، وتدفع ثمن ذلك اضطرابات في الداخل، عاجزة عن دفع الكلفة، فيما يصرخ أناس من الداخل: ولماذا ندفع أصلاً، وقد بات البلد في عهدة قوة أكبر هي روسيا؟! ثلث البلد تحت ولاية أميركا، وحوالي 10 % تحت ولاية تركيا، وهناك مناطق أخرى ما زالت بيد المعارضة مثل إدلب، فكم سيستغرق ترتيب هذه الأمور مجتمعة كي يعود النظام إلى سيطرته القديمة؟ وهل يمكن أن يعود في ظل هذه الثارات الرهيبة، وفي زمن العنف الرخيص، وبوجود ملايين لا يتوقفون عن معارضته في الخارج؟!
إنه الجنون الذي يستجلب الجنون، والعنف الذي يستجلب العنف، ولن يتوقف حتى يغير هذه المنظومة الأمنية الطائفية على نحو يسمح للبلد بوضع أقدامه على سكة الاستقرار من جديد. أما التاريخ فسيكتب في صفحاته الكثير عن هذه المجزرة الرهيبة، وعن هذه الثورة اليتيمة التي تواطأت قوى العالم الكبرى ضدها، تماماً كما هو حال ربيع العرب الذي كان عنوان تمرد أمة على واقع مهين، وإرادتها البحث عن مكان يليق بها تحت الشمس.