منذ أيام انتهيت من قراءة كتاب «توماس سواريز»، وعنوانه «دولة الإرهاب.. كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب»، والصادر عن «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» في الكويت. فكرة الكتاب تقوم على أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس صراعاً بين جماعتين عرقيتين مختلفتين، العرب واليهود، بل هو احتلال فلسطين بالقوة على أيدي الحركة الصهيونية، والتي هي في جوهرها حركة استيطانية أوروبية تعود أصولها إلى عهد الحركات القومية القائمة على العرق وتاريخ الصراعات العرقية المأساوية في أوروبا، وأن ما عرفته منطقة الشرق الأوسط من حروب واضطرابات لم يكن بمعزل عن دور هذه الحركة وتصميمها على إثارة الفوضى والبلبلة في العالم العربي، بغية إحكام استيلائها على فلسطين. بمعنى أن كثيراً من القلاقل التي شهدتها المنطقة العربية، كانت جزءاً من هذه المؤامرة، حتى يتأتى للصهيونية أن تمارس دورها في إرهاب العالم وزعزعة أمنه واستقراره بغية التحكم في أكثر مراكزه حيوية.
وقد كان قادة الحركة الصهيونية وزعماؤها واضحين للغاية، حسب توماس، عندما قالوا إن هدفهم السياسي لن يتحقق إلا باستخدام العنف والإرهاب، وهو أن يكون للشعب اليهودي مكان في هذه المنطقة. وقد اتفق الزعماء اليهود بمختلف أطيافهم على هذا الهدف، لأنهم يرون من منظورهم الأيديولوجي أن العرب شعب أدنى وأن اليهود أحق من العرب في فلسطين، وأن الحصول على فلسطين كلها هو بداية التوسع الصهيوني في المنطقة حتى يتحقق للحركة الصهيونية حلم إسرائيل الكبرى. وهذا الأمر لا يتحرج الزعماء الإسرائيليون من التأكيد عليه في كل مناسبة، بل يطالبون بإمبراطورية قابلة للتوسع. فالحدود الحالية في نظرهم ليست سوى موطئ قدم وبداية للتمدد في المنطقة العربية.
وحتى يقرِّب المؤلف الصورة أكثر يعطي مثالا لتلك الرؤية الاستعمارية التوسعية بقوله: في عام 1948 أبعدت السلطات الصهيونية نحو مليون فلسطيني من بلدهم فقط بسبب انتمائهم العرقي، كما محت أكثر من أربعمائة قرية من الوجود، وحطمت حياة من لم يشملهم الاقتلاع المباشر.. لكن القادة الصهاينة وجدوا أن مثل هذا الأمر بسيط ولا يحقق التطهير العرقي الذي يرغبون فيه. وينقل المؤلف عن أحد وزراء الخارجية الإسرائيليين السابقين قوله: «إن الانتخاب الطبيعي سيحيل اللاجئين إلى ركام بشري، أي إلى حثالة ليس لها أرض».
إن منهج الصهيونية في احتلال الغير هو منهج مبني على العنف، بغية إيجاد حقائق جديدة على الأرض. وما منْع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم وسرقة أحلامهم واستمرار القصف والحصار والإغلاق ضد مدنهم وأحيائهم ومخيماتهم، إلا مظهر لسياسة التطهير العرقي التي تؤكد على هذه الحقيقة. وقد اعترف بعض المسؤولين الأوروبيين (البريطانيين خاصة) بأن قرارات الأمم المتحدة لن توقف الاحتلال والعنف الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، وأنه ليس للمنظمة الدولية قدرة على منع إسرائيل من الاستمرار في التوسع داخل فلسطين وخارجها.
وجاء في تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، نقله المؤلف في كتابه، ما يلي: إن الصهيونية تصر على أن لا تضع لها حدوداً، وإن المنطقة مقبلة على اضطرابات عميقة تثيرها إسرائيل قد تمتد على مدى عقود، وإن عدم تعاون إسرائيل مع الجهود الرامية إلى إحلال السلام الدائم هو تكتيك للاستمرار في التوسع.
ولعل أول مدير لجهاز «الموساد» الإسرائيلي كان واضحاً عندما قال: إن إسرائيل لن تتخلى عن أي أرض استولت عليها، ومن حقها أن تستولي على مزيد من الأراضي عند الضرورة.