تشهد العلاقات الإماراتية الصينية تنامياً سريعاً في المجالات كافة، لتساهم في رسم خريطة جديدة للعلاقات الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين وبين دول الخليج العربية بشكل عام وبين القوى الصاعدة في العالم، وفي مقدمتها جمهورية الصين، وذلك لما تتميز به هذه العلاقات من تشابه في التوجهات وارتباط قوي في المصالح المشتركة.
وضمن منتدى التعاون العربي الصيني الذي عقد دورته العادية الثلاثاء الماضي ببكين، تساهم دولة الإمارات في تنمية العلاقات بين الصين والبلدان العربية، وبالأخص بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، للصين، والتي تم أثناؤها توقيع العديد من اتفاقيات التعاون المشترك، وتمخض عنها تحقيق تقدم ملحوظ لأوجه التعاون في العديد من المجالات. فالتبادل التجاري بين البلدين حقق قفزات متتالية ليرتفع بنسبة تفوق 15% في الفترة بين عامي 2016 و2017، وهي نسبة كبيرة في ظل الأوضاع التجارية العالمية المتأزمة. كما ستمنح زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، بداية الأسبوع الجاري للصين، بعداً جديداً لهذا التعاون.
وتشكل تجارة الإمارات مع الصين 27% من إجمالي تجارة الصين مع البلدان العربية، والبالغة 200 مليار دولار العام الماضي، وفق بيانات المنتدى، مما يضع دولة الإمارات على رأس قائمة الدول العربية ضمن علاقة هذه الدول مع الصين، علماً بأن نسبة كبيرة من تجارة الصين مع العالم العربي تمر عبر موانئ الدولة من خلال تجارة إعادة التصدير.
وفي نفس الوقت يمكن ملاحظة التطور الملفت للاستثمارات المتبادلة بين الإمارات والصين في السنوات القليلة الماضية، حيث ازداد حجم هذه الاستثمارات ليشمل قطاعات جديدة، فبالإضافة إلى تجارتي الجملة والتجزئة، فقد نشطت الاستثمارات الصينية في مجالات العقار والتشييد والبناء والنقل والتخزين والخدمات المالية والاتصالات والمعلومات والصناعات التحويلية، وبالأخص بعد إلغاء التأشيرات المسبقة بين البلدين، حيث تشكل الإمارات حالياً إحدى أهم الوجهات للسياح الصينيين الذين يصل عددهم 120 مليون سائح سنوياً لمختلف بلدان العالم.
ومن المستجدات العديدة الخاصة بالتعاون الإماراتي الصيني السعي لتعزيز المشاركة الإماراتية في مشروع الصين العملاق المسمى «الحزام والطريق»، والذي سيغير الكثير من طبيعة العلاقات التجارية الدولية، والذي تبلغ تكلفة المرحلة الأولى منه 200 مليار دولار، حيث يمكن لدولة الإمارات ببنيتها التحتية المتقدمة، وبالأخص البنية التحتية للتجارة، أن تشكل مكوِّناً رئيسياً لمشروع «الحزام والطريق»، والذي بدأ عملياً تنفيذ أول مشاريعه بالمنطقة، مع افتتاح المرحلة الأولى لمنطقة التجارة الحرة بجيبوتي الأسبوع الماضي، بتكلفة بلغت 3.5 مليار دولار.
وبحكم موقع الدولة الاستراتيجي، فإنه يمكنها تقديم العديد من التسهيلات لمشروع طريق الحرير الصيني الجديد المسمى «الحزام والطريق»، والذي سيربط شرق العالم بغربه، لينقل التجارة والتعاون الدولي إلى آفاق جديدة تشارك فيها البلدان النامية، كطرف أساسي في التجارة العالمية، إلى جانب الدول المتقدمة.
وضمن هذه العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات والصين، هناك الكثير من أوجه التعاون المرتقب تنميتها في السنوات القليلة القادمة، إذ بالإضافة إلى تزويد الصين بجزء مهم من احتياجاتها من الطاقة، فإنه يمكن لدولة الإمارات المساهمة في مشروع الصين الرامي إلى إقامة أكبر مجمع للصناعات البتروكيماوية بتكلفة تصل 120 مليار دولار، وذلك على نسق مشاركة الإمارات في مشروع الهند الكبير للبتروكيماويات إلى جانب «أرامكو» السعودية بتكلفة 40 مليار دولار، والذي أعلن عنه مؤخراً، وذلك إلى جانب الاستفادة من المركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا وخبرة الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعني ترابطاً أوثق للتعاون الاستراتيجي بين دولتين تمتلكان رؤى وتجارب تنموية تكمل بعضها البعض، كي تقدما للعالم أحد أهم أشكال التعاون الاستراتيجي المتكافئ بأبعاده ومصالحه المشتركة.