يتطلع الإماراتيون للمحافظة على سيادتهم الوطنية وحماية السياحة والأعمال، وأن تبقى بلادهم الملاذ الأكثر أماناً في العالم. وقد صرح ممثل عن قسم خدمات الاتصالات التابع لوزارة الداخلية، وكله فخر، بأن بلاده تخضع «لأمن شبه مطلق».
تبقى دبي من أكثر النقاط نشاطا في العالم فيما يتعلق بالقضايا «الكلاسيكية» لعمليات التجسس، لأنها تمثل محور النقل العالمي، ومركزاً يحتضن المؤتمرات الراقية، ووجهة سياحية جذابة، بالإضافة إلى أنها نقطة التقاء العالم الإسلامي والإفريقي والجنوب آسيوي لاسيما الهندي والأفغاني. كما تمثل دبي مركزاً مالياً ومحطة لغسيل الأموال، بعد بيروت. وتجعل كل هذه الظروف من الإمارات «منطقة صيد» ملائمة للمخابرات.
نوه عميل سابق في المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي بأنه «يمكننا أن نتغلغل في هذه البلاد مثل أي مكان آخر ونعالج مواضيع تتجاوز قدراتهم». ويتذكر هذا العميل الفرنسي السابق جيداً لقاءً عُقد في أحد فنادق مطار دبي جمعه بمصادر معلومات جاؤوا من جميع أنحاء المنطقة. وفي حديثه عن هذا اللقاء، قال العميل الفرنسي «لم يكن يتعين علينا استخراج جوازات السفر، كما أننا ننزل في غرف متصلة فيما بينها».
هنا نشتري أقمار التجسس بدقة تصوير 34 سنتيمترا
تمثل كل من أبوظبي ودبي مجالاً خاصاً للتجسس، الأمر الذي دفع القوى الكبرى في العالم إلى توظيف العديد من الموارد للتقرب منها، على غرار توقيع عقود التسلح، وعقود أخرى في مجالات الفضاء والملاحة الجوية. وفي قائمة البلدان الموقعة عدة صفقات مع الإمارات في هذه المجالات، تحتل الولايات المتحدة مرتبة متقدمة وبعدها فرنسا، التي تفسد أحيانا على الولايات المتحدة صفقاتها مع هذا البلد الخليجي. وقد برز ذلك خلال السنوات الأخيرة، حيث باعت باريس للإمارات أقماراً صناعية معدة للمراقبة.
انطلقت عملية البيع برمتها سنة 2008، تحديدا عندما أعربت السلطات الإماراتية عن نيتها اقتناء هذا النوع من الأقمار الصناعية لحماية أراضيها. وقد عُقدت عدة مفاوضات طويلة، ظفر على إثرها العرض الفرنسي بالصفقة، نظرا لتفوق القمر الصناعي الفرنسي على مستوى الدقة بقرابة 50 سنتيمتر على مشروع رايثيون. وخلال شهر ديسمبر من سنة 2012، أعلن الجانب الإماراتي عن أفضلية العرض الفرنسي على حساب العرض الأمريكي.
ولكن لا يمكن التعويل على القمر الصناعي الفرنسي دون الاستعانة بالثقل الذي تشكله الولايات المتحدة في المنطقة. وتتطلع واشنطن إلى استئناف المحادثات مع الإمارات مع الحرص على تقديم عرض جديد، سيكون هذه المرة عبر شركةLockheed Martin، التي تقدم قمرا صناعيا يتميز بدقة تصل إلى 34 سنتيمترا. وقد مثل ذلك خيبة أمل بالنسبة لباريس، خاصة بعد أن أيقنت بأن الصفقة الأمريكية قد تمت.
استغلت أبوظبي فرصة التلاعب بهذه المنافسة لكسب كلا الموردين المحتملين، أي فرنسا والولايات المتحدة، باعتبار أنهما يستثمران في شراكة إستراتيجية تكتسي أهمية كبرى بالنسبة لهما أكثر من الإمارات. وبعد مضي ستة أشهر، نجح المصنعون الفرنسيون Astrium et Thales Alenia Space وTAS في إنهاء الصفقة.
يوم 22 يوليو من سنة 2013، وقعت باريس وأبوظبي رسمياً عملية بيع قمرين صناعيين معدين للمراقبة من نوع Pléiades، بقيمة تفوق 700 مليون يورو. ومن خلال حسن استغلال العلاقة التي تربط وزير الدفاع الفرنسي السابق، جان إيف لودريان، بالشيخ محمد بن زايد، ضمنت فرنسا عودة قوية إلى الإمارات مع إتمامها لصفقات تسلح، بعد غياب دام ست سنوات.
هنا تتجسس أميركا بمُخبريها المندسين في حاشيات الشيوخ
لكن السؤال المطروح: هل انتهت الحرب التجارية؟ كشف مسؤول سابق في مجموعة EADS، التي كانت لديها مصلحة من هذه الصفقة، أن الفرنسيين كانوا يخشون خلال تلك الفترة من إمكانية استخدام الأمريكيين لأسلحة أخرى متطورة من شأنها أن تبدد الصفقة الفرنسية مع الإمارات. وباسم احترام المعايير المنظمة لتجارة الأسلحة (ITAR)، يمكن للولايات المتحدة أن توقف سير أي صفقة في العالم إذا كانت المادة المباعة تحتوي على مكون صنع في الولايات المتحدة.
حيال هذا الشأن، أفاد المصدر الدبلوماسي ذاته «يبقى لنا أن نعرف ما إذا كانت أقمارنا الصناعية تضم مكونات أمريكية الصنع. صدقني، نحن أنفسنا لا نعرف إلى حد الآن أين صُنعت جميع مكونات أقمارنا الصناعية».
في مثل هذه الحالة، لن يتردد الأمريكيون في اللجوء إلى المناورة والتقنيات والطاقة البشرية والمخابرات. وقد علق هذا المسؤول السابق في مجموعة EADS «لا يمكنك تخيل الوسائل المتاحة لدى الخدمات أنجلوسكسونية أو الإماراتية»، وذلك في إطار تبرير سبب إخفاء الهواتف الذكية خلال المحادثة مع مراسل Le Monde في حانة في أحد فنادق أبوظبي.
حسب هذا المصدر، تعتمد المخابرات الأمريكية بشكل رئيسي على «مُخبريها» المندسين داخل حاشية الشيوخ الإماراتيين ومكاتب الاستشارات الأنجلوسكسونية المكلفة بتقديم المساعدة. وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة لا تزال تشكل ثقلاً في دبي على ضوء ماضيها كقوة استعمارية سابقة، إلا أنه بإمكان الولايات المتحدة أن تسن القوانين في أبوظبي. وفي ملف الأقمار الصناعية الشهير، ساهمت شبكات النفوذ في ربح واشنطن للوقت من جهة، وإعاقة العدالة من جهة أخرى، بحسب الصحيفة.
أكد مسؤول رفيع سابق في وزارة الدفاع الفرنسية أنهم «اكتشفوا توفر مكونات أمريكية الصنع بنسبة تقل عن 10 بالمائة، الأمر الذي أثار حملة صحفية في دولة الإمارات العربية المتحدة تتحدث عن اكتشاف أجهزة تجسس، ولكن ذلك غير صحيح». ونتيجة لذلك، تم خلال شهر يناير من سنة 2014 تجميد صفقة شراء القمرين الصناعيين الفرنسيين بحجة عدم الانتهاء من تجهيز القمرين في الوقت المحدد.
هنا قالوا إن الإمارات ربما تستطيع التجسس على إسرائيل
على الرغم من إبطال إجراءات الصفقة، واصلت باريس المقاومة والكفاح من أجل توقيع العقد. وقد تم تكليف المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي بمعرفة ما قاله الأمريكيون بالضبط للإماراتيين. كما تحركت وزارة الخارجية الفرنسية لتحفيز شركائها في الإمارات وفي المنطقة ككل. وداخل القاعدة العسكرية الفرنسية في أبوظبي، يعمل الجنود الفرنسيون، البالغ عددهم 800 جندي دون احتساب عائلاتهم، مع الاستخبارات الفرنسية.
يعتقد الفرنسيون أنه قد وصل الأمر بالأمريكيين، وعلى رأسهم وكالة المخابرات المركزية، إلى حد تعطيل سير الصفقة وتحذير الحكومة الإسرائيلية بأن الإمارات ستكون قادرة على التجسس عليها بفضل الأقمار الصناعية الفرنسية. وقد اعتبر الفرنسيون ذلك عملية احتيال، خاصة أن باريس قد سبق وضمنت لإسرائيل أن النظام التقني للأقمار الصناعية الفرنسية سيحمي أراضيها خلال مرور الأقمار الصناعية فوقها.
بفضل استبسال الفرنسيين وإرادة محمد بن زايد، تم إبرام الصفقة مع باريس وتجاوز المنافس الأمريكي. وفي شهر يوليو من سنة 2014، وقّعت شركة Airbus Defense & Space وTAS عقدًا جديدًا مع طيران الإمارات، في لندن. وقد حققت هذه الصفقة نجاحاً لم تحققه صفقات تجارة طائرات الرافال أو عملية تحديث أسطول ميراج 2000-9.
وهنا… لن تتغير قواعد اللعبة في القريب العاجل
انطلقت المحادثات خلال تولي جان إيف لودريان منصب وزير الدفاع سنة 2012، ولازالت متواصلة حتى مع توليه منصب وزير الخارجية، إلا أن هذه المحادثات «تخضع للضغط الأمريكي». وتنقل Le Monde عن المستشار السابق في وزارة الدفاع الفرنسية، أنه «كلما حققت فرنسا خطوة إلى الأمام في هذه المحادثات، زار أبوظبي ممثل أمريكي، سواء كان نائب الرئيس أو وفد من مجلس الشيوخ»، وهو ما يؤكد أن قواعد اللعبة مع الولايات المتحدة لن تتغير على الأقل في وقت قريب. بحسب ترجمة "عربي بوست".