ذكر تيمور خان، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، في بداية مقاله الذي أعاد نشره موقع«ستراتفور»، الاتفاق التاريخي الذي وقعه زعماء إثيوبيا وإريتريا في 9 يوليو الجاري لتوثيق السلام بينهما، بالإضافة إلى مجموعة من الاتفاقات التجارية والأمنية التي أنهت صراعًا طويلًا بينهما، صراع على خط إقليمي زعزع استقرار القرن الأفريقي.
لم يكن من السهل تخيل زيارة رئيس وزراء إثيوبيا الجديد آبي أحمد إلى أسمرة، عاصمة إريتريا، إلا أنها جاءت بعد شهر من الأعمال والتحركات الدبلوماسية في المنطقة من قبل آبي، البالغ من العمر 41 عامًا. وقد مهدت مبادرته الطريق أمام الدول المنقسمة والمتنازعة في المنطقة لدفع العجلة في المنطقة إلى المواءمة الاستراتيجية والاقتصادية لأول مرة. آثار هذه الموجة ستمتد من منطقة شرق أفريقيا وعبر القرن الأفريقي، وحتى دول الخليج العربي.
وفي ذات الوقت ومنذ أن تولى السلطة، أشرف آبي أحمد على أجندة محلية أكثر ثورية؛ فقد دعا أحزاب المعارضة للانضمام إلى العملية السياسية، وحذف الجماعات الإرهابية من قوائم الإرهاب، كما اعتذر عن ممارسات القمع التي اتخذتها الدولة سابقا، وتعهد بتحرير أجزاء خاضعة لتحكم الدولة في اقتصاد.
يستعرض تيمور في بداية مقاله الذي ترجمه "ساسة بوست"، تاريخ العلاقة بين إثيوبيا وإريتريا منذ نشأتها بداية التسعينات، والظروف التي قادت الطرفين الى نزاع مسلح نهاية القرن الماضي، والمشاكل التي تركها هذا الصراع في البلدين. ثم ينتقل إلى تقديم التاريخ المضطرب للعلاقات الإثيوبية الإماراتية، والعلاقات الإريترية الإماراتية، والاتفاقات المتعلقة بالموانئ بينهم، وفي الدول المجاورة، مرورًا بالدور الذي تلعبه دول الخليج في منطقة القرن الأفريقي، والتحركات الدبلوماسية بين هذه الأطراف، وصولًا إلى التحديات التي تواجهها إثيوبيا، وتأثير الدور الإماراتي على المنطقة بشكل عام.
قامت مجموعة من الجماعات المتمردة بزعامة جبهة تحرير تيغراي الشعبية بالإطاحة بالدكتاتورية العسكرية الماركسية في إثيوبيا عام 1991، بعدما لم يعد الاتحاد السوفيتي قادرًا على تقديم الدعم، وكان المتمردون الإثيوبيون ماركسيين أيضًا، وتحالفوا مع جماعة متمردة إريترية ضد الديكتاتورية، لكن سرعان ما أعلن الإرتريون الاستقلال. استمرت الدولتان بتقديم الدعم لجماعات مسلحة موالية، كلّ عند الطرف الآخر، إلى أن اشتعلت بينهم حرب دموية بين عامي 1998 و2000 بعد خلاف على بلدة تقع على الحدود، ومنذ ذلك الحين والخلاف بينهما في حالة جمود، ورفضت إثيوبيا حينها أن تلتزم باتفاق برعاية من الأمم المتحدة يلزمها بالتنازل عن تلك البلدة، واسمها بادمي، إلى إريتريا.
مقاتلون متمردون في إثيوبيا
طورت إثيوبيا أثناء هذه الفترة – فترة «الحرب الباردة» – نوعًا من الهوية القومية ذات وحدة عرقية – بحسب الكاتب – والتي استخدمها رئيس إريتريا السابق أسياس أفورقي لتبرير سياساته القمعية وحكمه العسكري. أثناء ذلك الوقت، أصبحت الدولة الإثيوبية حليفًا رئيسًا للولايات المتحدة وأوروبا في الحرب على الإرهاب، واستفادت من مساعدات المانحين في الغرب والاستثمارات الأجنبية والقروض من الصين تحقيق نمو سريع في اقتصادها القائم على الزراعة بمعدل نمو عالٍ، إلا أنها خلقت أيضًا أزمة في التداول الخارجي، وتوترت العلاقات بينهم وبين الصين بسبب القروض التي لم تسدد، والمشروعات غير المكتملة، أما القطاع الخاص الذي أملت أن يطور الاقتصاد، فجرى خنقه بعد أن استمرت الدولة بسحب رأس المال من النظام المالي لتمويل المشروعات التنموية؛ مما أدى إلى نخب غنية وقطاع خاص محروم من مصادر التمويل.
أدى النمو الاقتصادي بهذا الشكل إلى تفاقم حالة من عدم المساواة، وخلق استياءً عامًا، خاصة عند أكبر مجموعة عرقية، وتدعى أورومو. في عام 2015 اندلعت حركة احتجاجية واسعة في منطقة أورومو متعلقة بقضايا حقوق الأراضي، واستمرت حتى أوائل عام 2018، بعد أن استقال سلف آبي أحمد، هيلياريام ديسالين.
أما آبي أحمد فقد وصل إلى أبعد مما توقعه المراقبون منذ توليه منصبه، ونال إعجاب وترحيب الشباب الإثيوبي. حتى اللحظة، يبدو أن مشروعه الإصلاحي الثوري مستمر بنجاحه، على الرغم من تعرض أحمد إلى هجوم بالقنابل اليدوية استهدفه خلال خطابه لمئات الآلاف من أنصاره في تجمع حاشد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 23 يونيو الماضي، وجرى القبض على العشرات من عناصر الشرطة، ومسؤولين حكوميين فيما يتعلق بالهجوم؛ مما يعتبر إشارة على انشقاقات داخلية كما ذكر الكاتب.
علاقة إثيوبيا والإمارات
في حين أن التناقضات الهيكلية في الاقتصاد السياسي في إثيوبيا أمر أساسي لفهم التطورات الحالية، إلا أنها لم تكن ممكنة على الأرجح لولا الدعم الدبلوماسي من لاعب جديد – كما سماه الكاتب – في القرن الأفريقي – الإمارات العربية المتحدة. كانت علاقات إثيوبيا سيئة مع دول الخليج خلال الحرب الباردة وعبر التسعينات، واعتبرت إثيوبيا حينها أن قادة الخليج يدعمون مصر وإريتريا والسودان والصومال ضدها، لكن تعززت العلاقات ببطء مع تحول موازين القوى في الشرق الأوسط نحو الخليج، وبعد أن بدأت دول الخليج العربية تنظر إلى القرن الأفريقي كمفتاح للأمن الغذائي ومصالحها الاستراتيجية.
بدأت الإمارات وإثيوبيا تعاملات دبلوماسية مؤقتة على أساس المصالح الاقتصادية المتبادلة في عام 2013، قبل انخفاض أسعار النفط. أما بالنسبة لإريتريا، فعندما جرى سحب الجيش الإماراتي من جيبوتي في بداية التدخل العربي بقيادة السعودية في اليمن في عام 2015، سارعت أبوظبي إلى العمل مع الحكومة في أسمرة للاتفاق بشأن ميناء عصب، كانت إريتريا قريبة من إيران حتى ذلك الحين، كما كانت تتلقى المساعدات وتسمح للقوات البحرية الإيرانية باستخدام ميناء عصب، كما تمتعت إريتريا بعلاقات جيدة مع قطر، التي أبقت على وجود قوات على الحدود المتنازع عليها مع إثيوبيا إلى أن وقفت إريتريا إلى جانب الإمارات والمملكة العربية السعودية في خلافها مع قطر.
فيما قامت إريتريا بقطع العلاقات مع إيران ووافقت على السماح لدولة الإمارات ببناء منشآت عسكرية على الجانب الآخر من باب المندب من الساحل الجنوبي الغربي لليمن، وقد لعبت هذه القواعد دورًا حاسمًا في قدرة الإمارات على القيام بعمليات عسكرية في جنوب اليمن، بما في ذلك الهجوم البرمائي لاستعادة عدن من قوات الحوثي في أغسطس 2015.
وفقًا للخبراء، ساعدت الإمارات والسعودية في تحديث شبكة الكهرباء مقابل ذلك، وقدمت مساعدات عينية من النفط بالإضافة الى مساعدات أخرى، ووفقًا للجنة الأمم المتحدة للخبراء المختصين بالعقوبات المفروضة على الصومال وإريتريا، فقد قامت إريتريا بإرسال حوالي 400 جندي إلى اليمن كجزء من قوات التحالف. وقد أدت علاقات إريتريا الناشئة مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية – وهما شريان الحياة الذي يوفر الإغاثة لإريتريا في عزلتها الدولية – إلى إثارة القلق في أديس أبابا.
سافر مسؤولون إثيوبيون إلى أبوظبي لإجراء محادثات في أواخر عام 2015، إلا أن المحادثات بينهم كانت صعبة، يعود ذلك – جزئيًا – إلى شعور الإثيوبيين بالإهانة بسبب النهج التعاملي والتكتيكي لنظرائهم الإماراتيين، وفقًا لمسؤول غربي سابق، لكن سرعان ما توصلت حكومة أبوظبي وحكومة هيليماريام إلى طريقة مؤقتة تعمل وتوجه العلاقة من خلال بناء الثقة نحو شراكة استراتيجية بشكل متزايد. وجرى التوصل إلى تفاهم حول علاقة الإمارات مع إريتريا، وكذلك علاقات أبوظبي الوثيقة بالقاهرة. تشهد مصر وإثيوبيا نزاعًا كبيرًا حول حقوق المياه وبناء إثيوبيا للسد النهري الإثيوبي الكبير. ووفقًا لمصدر قريب من مسؤولي الأمن الإثيوبيين، فإن الإمارات لن تشجع أي جهود محتملة من قبل مصر لتقويض إثيوبيا أو إضعاف مكانتها.
سرعان ما نما هذا التعاون الأولي إلى تعاون أكثر استراتيجية، فقد حاولت إثيوبيا أن تجد شريكًا دوليًا لتطوير ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال إلى منشأة قادرة على التعامل مع كميات كبيرة من البضائع لسنوات طويلة، وبالتالي تقليل الاعتماد شبه الكامل لإثيوبيا على ميناء جيبوتي في التجارة. ووفقًا لباحثين في جامعة خليفة في أبوظبي، عملت إثيوبيا لتوجيه الاهتمام الإماراتي إلى تطوير بربرة من خلال تقديم ضمانات متعلقة بحجم التجارة، واستخدام الميناء، إلى أن يشكل 30% من تجارتها في النهاية.
بالإضافة إلى محادثات ميناء بربرة، بدأت أبوظبي محادثات مع أرض الصومال المستقلة لتجديد مهبط الطائرات السوفيتية السابق، وبناء قاعدة بحرية بالقرب من ميناء المدينة. ويعتقد عدد من المحللين بأن إثيوبيا دعمت القاعدة العسكرية الإماراتية في بربرة من أجل التقليل من أهمية عصب. كما طلبت إثيوبيا من الإمارات البقاء في عصب؛ حتى لا تتمكن إريتريا من عرض القواعد الفارغة على مصر، وفقًا لمصدر قريب من المسؤولين الإثيوبيين.
وقعت إثيوبيا اتفاقية مع أرض الصومال في فبراير (شباط) 2015 لتطوير ميناء بربرة قبل شهر من بدء شركة تابعة لشركة موانئ دبي العالمية محادثات مع الحكومة في هرجيسا عاصمة إقليم أرض الصومال، والتي جرى الانتهاء منها في مايو (آيار) 2016 مع توقيع اتفاقية بقيمة 442 مليون دولار لتطوير الميناء وبعض رأس المال البشري والبنية التحتية المتعلقة بالمشروع. حصلت إثيوبيا على 19% من الميناء بعد عام من ذلك، ووافقت على إنفاق 80 مليون دولار في شكل مساهمات عينية أو نقدية، لتطوير البنية التحتية وتوصيل ميناء بربرة بميناء جيبوتي، وفقًا لمسؤولي أرض الصومال. وقد استفاد الدفع الإثيوبي لإشراك الإمارات في تطوير بربرة من النزاع القانوني بين شركة موانئ دبي العالمية وجيبوتي حول حقوق الامتياز لعام 2006 لتشغيل أكبر محطة حاويات هناك، والذي بلغ ذروته عندما قامت جيبوتي بالاستيلاء على المحطة من موانئ دبي العالمية في فبراير من ذات العام.
لا يزال هناك غضب في أبو ظبي بسبب تحركات جيبوتي ضدها -والعكس صحيح. تزامن كل ذلك مع تزايد الإحباط في واشنطن من توسّع العلاقات بين جيبوتي والصين التي بنت قاعدة عسكرية ومرفق بحري بالقرب من قاعدة معسكر ليمونير الأمريكية. قد تقوم شركة صينية أيضًا بالاستيلاء على محطة حاويات «دوراليه» التي جرى الاستيلاء عليها من «موانئ دبي العالمية»، وتستمر بكين بتقديم القروض وتعزيز علاقاتها مع الدولة ذات الموقع الاستراتيجي، بما في ذلك من خلال بناء أربعة موانئ جديدة. أعلن الجيش الأمريكي عن ابتعاده عن عمليات مكافحة الإرهاب في إفريقيا والتوجه نحو منافسة قوة ونفوذ مع الصين وروسيا، وقد يوفر خط الساحل الإريتري بديلًا، أو إضافةً جذابة لجيبوتي.
كما قال مسؤول أمريكي أنه يجب أن توفر هذه المنافسة في القرن الإفريقي مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة، وليس فقط من باب مواجهة النفوذ الصيني وفقط، ومع أن القطاع الخاص الأمريكي يتخلف كثيرًا عن الصينيين والشرق الأوسط في دعمهم للشركات الخاصة وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في شرق أفريقيا. وقد توفر الإصلاحات الاقتصادية الإثيوبية ورغبتها في الدخول في شراكة مع شركات تشغيل الموانئ الدولية لتطوير بدائل لجيبوتي وزيادة التجارة المبرر الاقتصادي اللازم. كما يمكن أن يؤدي التطبيع بين إثيوبيا وإريتريا إلى تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والأمن في وقت تريد فيه واشنطن أن يتحمل الشركاء حصة أكبر من العبء، لكن بغض النظر عن ذلك، ووفقًا لخبير في السياسة والمحللين الأفارقة في القرن الأفريقي، فقد تدخل مسؤولون أمريكيون في المحادثات الدبلوماسية بين إثيوبيا وإريتريا منذ يناير على الأقل، وقبل أن يصل آبي إلى منصبه.
ومن المرجح أن جهود الوساطة كانت بقيادة الإمارات، وأصبح دورها واضحًا بشكل متزايد في المراحل النهائية للتقارب بين إثيوبيا وإريتريا. في 15 يونيو أي بعد 10 أيام من إعلان آبي أحمد أن إثيوبيا ستفي باتفاق الحدود من عام 2002 بقبول السيادة الإريترية على بادمي، زار ولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد آل نهيان أديس أبابا مع وفد رفيع المستوى، للقاء آبي في تلك اللحظة المهمة في سعي رئيس الوزراء للإصلاح. وأعلن البلدان أن الإمارات ستضخ مليار دولار في بنك الدولة الإثيوبي من أجل المساعدة في استقرار احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي وتقديم ملياري دولار من المساعدات الإضافية. كما ناقش الزعيمان الاستثمار الإماراتي في إثيوبيا في ظل جهود خصخصة اقتصادها.
المصالح الاقتصادية للدولتين تكاملية للغاية كما يذكر تيمور، فازدهار البنية التحتية في إثيوبيا، والذي يشمل عددًا من مشاريع الطاقة التي ستعزز القدرة على مضاعفة الاحتياجات المحلية الحالية، يتطلب استثمارات خاصة وأجنبية. وتوفر خصخصة شركات الاتصالات وشركة الطيران الوطنية الإثيوبية وغيرها من الصناعات المتنامية فرصًا كبيرة للمستثمرين الإماراتيين من القطاع الخاص والشركات المدعومة من الدولة التي تبحث عن المزيد من الفرص الاستثمارية الدولية مع تقلص الميزانيات المالية في الخليج. وبينما يقوم آبي أحمد بخصخصة بعض قطاعات الاقتصاد، لا تزال الدولة تلعب دورًا سلطويًا، وهذا يجعل منها بيئة اقتصادية مألوفة للاستثمار بالنسبة للإمارات.
العاصمة أديس أبابا -إثيوبيا
تستند خطط إثيوبيا للتنمية الاقتصادية على توسيع قاعدتها الصناعية مدفوعة بالتنمية الهائلة لقطاعها الزراعي، والذي يشغل 85 في المائة من العمال الإثيوبيين كمزارعين يقتاتون على العمل في القطاع. تهدف خطة تنمية التصنيع هذه بقيادة التنمية الزراعية إلى زيادة القطاعات الصناعية المبنية حول الاقتصاد الزراعي الأساسي، مثل المنسوجات والسلع الجلدية كمرحلة أولى، وحتى الوصول إلى اقتصاد صناعي بالكامل.
لكن لم يتحقق هذا الهدف بعد. وفي الوقت الراهن، لا يجري زراعة أكثر من ربع الأراضي الصالحة للزراعة هناك، رغم أن إثيوبيا لديها فائض من المياه. وهي في حاجة إلى استثمارات في الزراعة، ولدى الإمارات مصلحة في الأمن الغذائي تدفعها نحو تطوير هذا القطاع في شرق أفريقيا، إلا أن السياسات حول استخدام الأراضي قد تستمر في جعل هذا المشروع مشحونًا إلى حد ما.
بعد رحلة محمد بن زايد إلى إثيوبيا، سافر وفد إرتري رفيع المستوى إلى أديس أبابا في 25 يونيو للمرة الأولى لإجراء محادثات في طائرة من أسطول الطيران الإماراتي. لم يكن قد قدم أفورقي حينها أي موافقة بشكل واضح أو علني على انتقال بادمي إليه. علق العالم السياسي في جامعة بوسطن مايكل وولدماريام قائلا إنه يبدو أن التسلسل الزمني للإعلانات والاجتماعات كان بهذا الشكل حتى يمنح الرئيس الإريتري مساحة كافية لمتابعة التفاصيل الأخيرة للتقارب. وفي 3 يوليو زار أفورقي أبوظبي وقابل محمد بن زايد، واتفق الزعيمان على أن الإمارات ستقوم بمزيد من الاستثمارات في إريتريا في مجالات الزراعة والتصنيع وتقديم المساعدة في تطوير البنية التحتية المادية للبلاد. ثم في 9 يوليو احتضن آبي أحمد أفورقي في أسمرة في لحظة تاريخية لتعزيز اتفاق السلام وتعهدًا بزيادة التعاون الاقتصادي والأمني والثقافي بينهما.
مصالح الإمارات
يؤكد تيمور أن التنافس بين دول الخليج وتركيا في منطقة القرن الأفريقي جرى على قدم وساق وبشكل واضح خاصة خلال العام الماضي، خاصة وهي منطقة ذات أهمية متزايدة بالنسبة للقوى العالمية الطموحة والقوى الإقليمية الجديدة على حد سواء. كانت الصومال ساحة هذه المنافسة بشكل رئيس، حيث كانت مصالح واهتمامات قوى الشرق الأوسط أقل وضوحًا. إلا ان التجزئة السياسية والقادة السياسيين المسؤولين ساهموا في تحويلها إلى بيئة مناسبة للمكائد السياسية، فيستغل كل من العميل والراعي أحدهما الآخر لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل، وقد ساهمت معارك النفوذ هذه بين قطر والإمارات في زعزعة الاستقرار في البلاد بشكل رئيس.
نتج عن الشراكة بين الإمارات وإثيوبيا تأثير ممتد حقيقي، خاصة في الصومال، فقد سافر آبي أحمد بعد لقائه مع محمد بن زايد في أديس أبابا إلى العاصمة الصومالية مقديشو لإجراء محادثات مع الرئيس محمد عبد الله محمد، المعروف باسم «فارماجو»، والتي نتج عنها مذكرة تفاهم مبهمة تلزم بتكامل سياسي واقتصادي أكبر بين الجارين، بما في ذلك تطوير مشترك لأربعة موانئ غير مسماه. وإلى جانب مصالح إثيوبيا في تحسين العلاقات مع الصومال، كانت رحلة آبي أحمد أيضًا محاولة للتوسط بين الإمارات وحكومة فارماجو، التي عارضت ميناء بربرة وعلاقات الإمارات مع الدول الفيدرالية الصومالية بشدة بحكم أنها تجاوزت الحكومة المركزية.
ويتمتع فارماجو بدعم قطر وتركيا، وقد تفككت علاقات حكومته بالإمارات العربية المتحدة مع تنافس دول الخليج في البلاد. من اللافت للنظر تحدث فارماجو عن استئناف المحادثات مع صوماليلاند أو أرض الصومال – الدولة الصومالية المتمتعة بالحكم الذاتي وحليفة الإمارات – بعد زيارة آبي أحمد. قال مسؤولون صوماليون سابقون وأعضاء في البرلمان ودبلوماسيون غربيون في الصومال: إن فارماجو قد توصل إلى أنه عليه أن يحاول أن يوازن علاقات حكومته مع قطر والإمارات من أجل تجنب تقوية المعارضين بين قادة الدول الفيدرالية الصومالية، ومن غير الواضح ما إذا كان سيحدث هذا بالفعل، أو ما هي الوعود التي أعطيت أو حتى دور آبي المحدد في ذلك كله، لكن تقليل النفوذ القطري في مقديشو سيكون انتصارًا آخر – وإن كان أصغر – لأهداف السياسة الخارجية الإماراتية.
كما أنه من المحتمل أن علاقتها الجديدة مع إثيوبيا قد تشكل تحديات بالنسبة للإمارات. أما مصر فهي على رأس قائمة الحلفاء، ومن المحتمل أن تكون القاهرة قد انزعجت من إعلان آبي عن هدفه إعادة إطلاق البحرية الإثيوبية؛ فهي لا تريد أن تصبح منافستها صاحبة قوة بحرية في البحر الأحمر أيضًا. إذا كانت الإمارات والسعودية تتطلعان إلى زيادة الاستثمارات الزراعية في إثيوبيا، فقد تخسر مصر أيضًا الدعم الدبلوماسي في قضية سد النهضة الإثيوبي، وفي سعيها لحماية ما تراه مصلحة أمنية وطنية في ما يتعلق بمياه النيل، لكن الإمارات نجحت في التوسط بين حلفائها ومصر في الماضي – وعلى الأخص مع المملكة العربية السعودية في عام 2016. ووفقًا لمسؤول غربي سابق، كان المسؤولون من إحدى دول القرن الأفريقي يتقربون من نظرائهم الإماراتيين خلال المحادثات، وطلبوا منهم وساطة مع القاهرة بسبب خلاف سد النهضة، تمامًا كما كانوا يفعلون مع الرياض. وقال المسؤول الإماراتي حينها «نعم، نعم، نحن نتعامل مع هذه القضية أولًا، ومن ثم سنصل إلى هذه المشكلة».
وكما أظهرت تجربة الصين في إثيوبيا، قد يكون تحقيق المكاسب الاقتصادية أكثر صعوبة من تحقيق الأهداف السياسية، وبالنسبة للإمارات ودول الخليج الأخرى، تعد العوائد قصيرة الأجل على استثمارات الشركات الحكومية والخاصة ضرورة اقتصادية. ولكي ينجح برنامج آبي للتحرير الاقتصادي، يجب عليه اجتياز التوقعات العالية للمواطنين. فشلت محاولات الدول الخليجية سابقًا في الأعمال الزراعية في القرن الأفريقي لعدد من الأسباب، لكن الوقائع السياسية المحلية حول استخدام الأراضي كان سببًا محوريًا.
يختم الكاتب تيمور خان بأنه وعلى الرغم من التحديات التي لا يمكن إنكارها، فإن السلام المفاجئ بين إثيوبيا وإريتريا يعتبر تطورًا جيوسياسيًا إيجابيًا وجلب الأمل لغالبية الشعبين، ورحبت به كل الدول المجاورة في القرن الأفريقي، منطقة كان ولا زال أكثر ما يميزها نزاعاتها ومعاناتها الإنسانية. وقد زاد الدور الخليجي المتنامي في القرن الأفريقي على مدى السنوات الثلاث الماضية من الريبة في المنطقة، لكن التطورات بين إثيوبيا وإريتريا توضح الدور القيّم الذي يمكن أن تلعبه الجهات الفاعلة الخليجية التي لديها أهداف على المدى الطويل في المنطقة في مساعدة الأعداء على رؤية وتحقيق مصالح مشتركة. كما أن هذا يظهر الطرق التي أصبحت الإمارات من خلالها، في ظل الظروف المناسبة، أكثر تطورًا في استخدام الدبلوماسية كوسيلة لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية الاستراتيجية.