في تقرير نشرته في عددها الصادر الجمعة، قالت صحيفة “ لوفيغارو’’ الفرنسية، إنّ النظام الحاكم في تركيا يعتمد منذ عشر سنوات دبلوماسية “القوة الناعمة’’ الثقافية والإنسانية والدينية؛ لتوسيع نفوذه في منطقة الشرق الأوسط. لكنه لا يتردد في الوقت نفسه في استخدام القوة، إذا لزم الأمر، للحفاظ على إنجازاته.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية (صحيفة يمينية معارضة لسياسات أردوغان)، أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، يعوّل منذ عشر سنوات وبشكل نشط على قوة ناعمة، معاصرة -دينية- نيو- عثمانية، من أجل توسيع دائرة نفوذه خارج نطاق حدوده. ففي بداية شهر مايو الماضي صرح وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو أمام حشد من الطلاب بجامعة أيدين في اسطنبول، أن بلاده هي البلد الذي يستخدم القوة الناعمة أحسن استخدام، مشيراً إلى نجاح الخطوط الجوية التركية على الصعيد العالمي -أكثر من 250 وجهة دولية- وكذلك الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، التي تعد ثالث أكبر مانح للمساعدات التنموية على الصعيد العالمي، بعد كل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ونظيرتها الصينية. وهذا دليلٌ على أن التأثير الدبلوماسي التركي حاضر في جميع القطاعات.
وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة الفرنسية عن جانا جبور، مؤلفة كتاب “تركيا.. اختراع دبلوماسية ناشئة” الصادر عام 2017، قولها إن “الثقافة هي إحدى الركائز الأساسية للدبلوماسية التركية’’، في الشرق الأوسط خاصة، في الوقت الذي تبتعد فيه عن أوروبا. فبفضل المعاهد الثقافية واللغوية، أو أيضا مختلف المنح الدراسية المقدمة للطلاب من الدول العربية، طورت تركيا منذ عشر سنوات شبكة حقيقية من حاملي الشهادات العليا العرب، الذين أقاموا روابط صداقة مع تركيا بعد عودتهم إلى بلدانهم، وأصبحوا بدورهم فاعلين في القوة الناعمة التركية. لكن المسلسلات التركية الشهيرة ( التقاليد والحداثة والإثارة السياسية والملاحم العظيمة التي تمجد الماضي العثماني) أثبتت أنها الوسيلة الأكثر فاعلية فيما يتعلق بالتأثير التركي في الشرق الأوسط، وفق جانا جبور.
وتابعت “لوفيغارو” التوضيح أنه لفهم أصول القوة الناعمة التركية علينا الغوص في كتابات أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي السابق في الفترة مابين عامي 2009 و 2014، ثم لاحقا رئيس الوزراء في الفترة ما بين 2014-2016، الذي يُعد المنظّر لإعادة توجيه تركيا كنموذج للتأثير على المنطقة، والابتعاد عن الشكل أو الطابع الغربي، من أجل ايجاد هالة إقليمية ترتكز على الهويتين التركية والإسلامية. ويشهد على ذلك المبادرات المختلفة التي تستهدف الأقليات التركمانية في العراق وسوريا ولبنان.
القوة الناعمة التركية، تمر أيضا عبر الجانب الإنساني، ويتمثل ذلك في المساعدات من أجل التنمية، كما يتم في قرية أيدمون التركمانية في لبنان، حيث قامت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (TIKA) بتطوير البنية التحتية مع توفير الماء والكهرباء. كما قامت باختبارات مجانبة للحمض النووي (DNA) بالتعاون مع الهلال الأحمر من أجل الإثبات للسكان المحليين أن أصولهم التركية. هذه المبادرات تسير بالتوزاي مع تجديد وترميم بقايا الإمبراطورية العثمانية، بما في ذلك في منطقة البلقان، التي هي أرض تركية أخرى ذات قوة ناعمة مفضلة، حيث تنخرط السلطة الدينية بشكل نشط في بناء مساجد جديدة. كما أن تركيا تبرز كحامية لكافة المسلمين المضطهدين -الإيغور والروهينجا البورميون- والمدافعة عن القضية الفلسطينية.
لكن “لوفيغارو’’ اعتبرت أن طموحات الرئيس التركي، الذي أُعيد انتخابه في شهر يونيو الماضي، لديها أيضا حدودها. ويتجلى ذلك في انهيار “النموذج التركي الذي تم الترويج له بقوة خلال ثورات الربيع العربي’’.
بالإضافة إلى ذلك أصيب حزب العدالة والتنمية بنكسة أخرى تتمثل في الأزمة مع جماعة فتح الله غولن، التي يتهمها بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 ، والتي كان الموالون لأوردغان قد فوضوها “السلطة الناعمة التعليمية’’. ومنذ ذلك الحين، ضاعفت السلطات التركية دعواتها من أجل إغلاق الإعداديات والثانويات التابعة لجماعة غولن، التي تحظى بتقدير كبير من قبل النخبة، لا سيما في البلقان وأفريقيا.
وبالنظر إلى كل ما سبق، تنقل الصحيفة الفرنسية عن دوروثي شميد، مديرة برنامج تركيا والشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI، فرنسا)، اعتبارَها أننا اليوم “نبتعد عن مفهوم القوة النّاعمة، الحديثة والعصرية، حيث إن الدولة التركية تستخدم القنوات المفتوحة من قبل القوة الناعمة كأداة للضغط أكثر منها للتأثير’’.
كما رأت دوروثي شميد، أن ما اعتبرته “عودة تدريجية إلى القوة الصلبة يشير أيضاً إلى التوجه الجديد للدولة التركية، مشيرة إلى أنه منذ تدخل القوات المسلحة التركية في سوريا، عادت البلاد إلى دبلوماسية القوة، للحفاظ على مكانتها في منطقة الشرق الأوسط”، بحسب "القدس العربي".