في مدونته لدى لوموند الفرنسية، قال مؤرخ وأستاذ جامعي فرنسي إن أبوظبي فشلت فشلا ذريعا، بعد أكثر من خمس سنوات من الحروب التي خاضتها، مباشرة في اليمن وبشكل غير مباشر في ليبيا.
وقال البروفسور جان بيير فيليو الخبير بشؤون الشرق الأوسط إن الصحيفة تصف أبوظبي أحيانا بأنها "إسبرطة الشرق الأوسط" فقط لأنها حصلت على آلة عسكرية مثيرة للإعجاب، حتى أصبحت رابع أكبر مستورد للأسلحة خلال الفترة 2011-2015.
وأوضح في مدونته أن ولي العهد سمو الشيخ محمد بن زايد (59 عاما) الرجل القوي في البلاد، وهو يعمل بتناغم مع نظيره السعودي محمد بن سلمان الذي يصغره بـ 25 عاما، مشكلين تحالفا بين أكبر قائدين خليجيين.
ويقود "سيد" أبو ظبي بهوس بالغ -حسب المدون- خطا عدوانيا للغاية ضد إيران وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الانتكاسات التي مني بها بلده على المسرحين اليمني والليبي يمكن أن تعتبرا فشلا لهذا النهج العسكري.
اعتراف بالفشل في اليمن
في الحرب المدمرة التي شنها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن منذ مارس 2015 على المتمردين الحوثيين الموالين لإيران، قال المدون إن القوات الإماراتية انخرطت في المعركة على الأرض خلافا للسعوديين، وقامت بدور رئيسي في طرد الحوثيين من عدن عام 2015، ثم طرد تنظيم القاعدة من ميناء المكلا عام 2016.
ودفعت أبو ظبي ثمنا باهظا لهذا الانخراط بالقتال المباشر، حيث قتل 45 من جنودها في إطلاق صاروخ في سبتمبر 2015، ولكنها -حسب المدون- فرضت إستراتيجيتها الخاصة على حليفتها السعودية، أولا من خلال رفض التعاون مع الإخوان المسلمين الممثلين في حزب الإصلاح، ثم دعم الانفصاليين الجنوبيين في الحراك لإعادة تأسيس دولة جنوب اليمن المستقلة.
وبهذه الإستراتيجية قوضت الإمارات بشكل دائم -حسب المدون- سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تشن باسم شرعيته هذه الحملة على الحوثيين رسميا، ومنعته من وضع حد للفوضى في عدن.
غير أن الأخطر -حسب رأي فيليو- أن أبوظبي فضلت التحالف مع المليشيات السلفية وحتى الجهادية لمواجهة الإخوان المسلمين، ثم وجدت نفسها أخيرا بعد أشهر من القتال العنيف في ميناء الحديدة غير قادرة على اختراق خطوط العدو، ومضطرة لقبول وقف إطلاق النار تحت رعاية الأمم المتحدة.
وذهب المدون إلى أن أبوظبي استخلصت درسا من هذا الفشل، وأعلنت خفض مشاركتها العسكرية ثم سحبت قواتها من اليمن، ولكنها مستمرة في التأثير هناك من خلال القوات التي شكلتها من الجنوبيين، وبذلك بقيت السعودية تبحث وحدها عن نهاية مشرفة للنزاع اليمني، وبقيت حكومة هادي ضعيفة أمام الانفصاليين.
الحرب الأهلية الثالثة بليبيا
وفي هذا البلد -الذي شهد ثلاث حروب أهلية منذ عام 2011، أولاها أدت للإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي، وتلتها حربان عامي 2014 و2019- فإن بن زايد اختار دون تحفظ حسب المدون جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود "أفضل" المليشيات تسليحا في البلاد "ويسميها بمهارة الجيش الوطني الليبي".
واعتبر محمد بن زايد أن حفتر أفضل حصن لصد نفوذ الإخوان المسلمين، ورعاتهم الإقليميين كتركيا وقطر، حتى إن طائرات إماراتية قصفت في أغسطس 2014 مدينة طرابلس، وإن لم تمنع سقوط العاصمة في الأيدي المناهضة لحفتر.
وفي تحد لحظر الأمم المتحدة لتوريد الأسلحة إلى ليبيا، قدمت أبو ظبي مروحيات لحفتر ومولت بسخاء اقتناءه للأسلحة الثقيلة، وقد أصبحت أهم داعميه في غزوه للعاصمة في أبريل/نيسان 2019، أكثر من مصر وروسيا والسعودية.
وفي هذه الحرب الأهلية الجديدة أيضا، يتخذ بن زايد -كما فعل في اليمن- الخيار الخطير للغاية المتمثل في دعم المليشيات السلفية، لا لشيء سوى عدائها الشديد لجماعة الإخوان المسلمين، كما يقول المدون.
لكن هذا التصعيد العسكري -ووفقا لفيليو- ألقى بحكومة طرابلس في أحضان تركيا التي أضعفت مشاركتها المتزايدة في ليبيا مواقع حفتر على عدة جبهات.
وعندما وجدت الإمارات أن حليفها لم يعد قادرا على تحقيق نجاح عسكري حاسم، ساهمت في استقالة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، ثم أقنعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراض على تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق، على اعتبار أنه غير موات بما فيه الكفاية لحفتر، ولا يزال المنصب شاغرا بسبب ما اعتبره المدون سياسة سيئة تقودها أبو ظبي.
وخلص المدون إلى أن الإمارات في كل من اليمن وليبيا وجهت ضربة قوية لوساطة الأمم المتحدة للسلام وسلطة الحكومات المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، كما أعطت فرصة مواتية لتدخل خصومها الإقليميين: إيران في اليمن وتركيا في ليبيا.
وفي غياب انتصار واضح في ساحة المعركة، وفيما عدا التأثير السيئ على السكان المحليين، فإن نتائج خمس سنوات من المغامرات تبدو غير مشرقة بالنسبة "لإسبرطة الشرق الأوسط".