ظلت الشعوب العربية تناشد الحكومات العربية وخاصة النفطية في الخليج طوال الصراع العربي الإسرائيلي باستخدام سلاح النفط للضغط على الغرب لاستعادة الحقوق الفلسطينية أو أية حقوق عربية أخرى. وفي عالم اليوم فإنه مشروع أن يستخدم كل طرف أوراق القوة لديه ليحقق مصالحه ويحفظ أمنه. ولكن لم يستخدم العرب سلاح النفط إلا كما يقال مرة واحدة في حرب 1973.
سلاح النفط العربي قادر أن يحفظ أمن الدول العربية وخاصة الخليجية وقادر بأن يعيد الحقوق لأصحابها، ولكن ظلت ترفض الحكومات العربية استخدام هذا السلاح، حتى استطاعت الولايات المتحدة من الاقتراب من الاستغناء عن النفط العربي فضلا عن تحول النفط إلى سلاح ضد الدول العربية وليس لصالحها لاختلال الإرداة السياسية.
مؤخرا اكتشفت إسرائيل احتياطات هائلة من الغاز الفلسطيني المحتل، وبعد أن كانت تستورد الغاز من مصر بثمن بخس، ها هي اليوم لا تبيع الغاز فقط، وإنما تستخدمه لإخضاع الدول العربية، كما تقول صحيفة أمريكية.
احتياطات الغاز "الفلسطينية المحتلة"
فلسطين تباع مرتين
ويرى مراقبون أن فلسطين قد بيعت مرتين، مرة في تخلي العرب عن الحقوق الفلسطينية في فلسطين وحتى عدم استعدادهم أو قدرتهم لاستعادة 22% من أرض فلسطين (الضفة وغزة والقدس الشرقية)، وهذه المرة بشراء ثروات الفلسطينين من دولة احتلال غير شرعية سرقت الغاز من الأراضي المحتلة عام 1967 وليس فقط أراضي فلسطين التاريخية، في وقت يهدد الاتحاد الأوروبي إسرائيل بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية التي تصنع في المستوطنات، في حين تنفتح دول عربية على سياسة شراء للغاز "الفلسطيني" الذي تصادره إسرائيل.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم- الثلاثاء- إن أمام تل أبيب فرصة كي تستغل سلعة الغاز الإستراتيجية كورقة ضغط مؤثرة يمكن من خلالها تحقيق مصالحها الاستراتيجية وفرض سياساتها في المنطقة.
وأوضحت الصحيفة أن توريد الغاز الإسرائيلي إلى الأردن لن يؤثر سلبًا على إمكانية إمداد تل أبيب لتركيا بالغاز في المستقبل، وفقا لما ذكره خبراء.
من جهته، أفاد أميت مور، الرئيس التنفيذس لـ " إيكو إينرجي"، شركة الاستشارات المالية والإستراتيجية التي تتخذ من تل أبيب مقرًا لها والمتخصصة في طاقة الشرق الأوسط إن ديناميكات الشرق الأوسط تتغير بوتيرة سريعة، مردفًا أن إسرائيل تحاول الاصطفاف مع الأطراف المعتدلة في المنطقة- ولاسيما مصر، الأردن، السعودية ودول صغيرة في الخليج العربي.
صفقات بيع وشراء عربية مع إسرائيل
وكانت إسرائيل قد وقعت مؤخرًا اتفاقية مع الأردن الأسبوع الماضي تقوم بموجبها بتوريد 45 مليار متر مكعب من الغاز إلى الأخيرة على مدار فترة قوامها 15 عاما، علما بأن حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز الطبيعي المكتشف مؤخرا قرابة السواحل الإسرائيلية يعد شبكة غاز عملاقة في المنطقة ويحوي قرابة 600 مليار متر مكعب من الغاز.
ونسبت" فيوز تايمز" لـ سوهبت كربوز، مدير قسم المواد الهيدروكربونية بمرصد البحر المتوسط للطاقة الذي يتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرًا له قوله إن " الحكومة الإسرائيلية تحاول تنويع مسار صادراتها من الغاز الطبيعي من خلال إبرام اتفاقيات مع جيرانها من الدول."
وقال كارين أيات، محلل الطاقة والشريك المساعد في مؤسسة " ناشورال جاز يوروب" إن إسرائيل ربما تشرع في تصدير الغاز الطبيعي إلى دول الجوار مثل الأردن.
وأكد الموقع على أن حقول الغاز في غزة ما هي إلا جزء من منطقة المشرق العربي، كما أن الصفقة مع الأردن تجعل إسرائيل المورد الرئيسي للطاقة إلى المملكة، وقد تدخلت وزارة الخارجية الأمريكية كوسيط بين البلدين لإتمام الصفقة، وحتى تعطي لإسرائيل القدرة على استخدام موقعها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تسعى إليها في المنطقة.
النفط العربي بلا قيمة
يرى الشارع العربي هذه التحولات الاستراتيجية الكبرى ولا يجد تفسيرا معقولا لما يحدث، فبالأمس كانت حكومات عربية تستخف بمطالبات الشعوب باستخدام سلاح النفط لتحقيق مصالح العرب، واعتبار ذلك غير ممكن أو غير فعال، في حين ترى الشعوب أن إسرائيل تستخدم هذا السلاح ضد العرب ولا أحد يشير إلى أن هذه السياسة الإسرائيلية تقوم على الابتزاز وإخضاع مواقف عربية بصورة أكبر مما هي عليه الآن، بل غدا ستصبح واردات الغاز "الإسرائيلية" لدول عربية مبررا أكبر أمام شعوب المنطقة لتبرير تقاعس الموقف العربي الرسمي اتجاه الحقوق العربية، بدل أن يتم استغلال حاجة إسرائيل لبيع الغاز وفرض مقاطعة عليه والتلويح لإسرائيل بوقف الشراء منها أو عدم السماح لها بتصدير الغاز عبر أنابيب تعبر دول الجوار العربية إلى آسيا وأفريقيا.
الشعوب العربية لا تطلب أن تتحمل الحكومات ما لا تريد تحمله، ولكن يمكن لهذه الدول ألا تشتري الغاز الفلسطيني وتساعد الاحتلال على سرقته، ما دام نفطهم أصبح بلا قيمة سياسية أو استراتيجية، فقط قيمة مالية يمكن أن تتبخر في أي وقت.