مليون و67 ألفاً و346 مخالفة للسرعة الزائدة خلال 3 شهور حسب تقرير وزارة الداخلية.. كتل حديد تتناثر، وأجساد بشرية تتبعثر، وأرواح تسجر.. ورغم كل الضوابط المرورية إلا أن الهدر يمارس بطشاً وسطوة، والبيوت تودع فلذات الأكباد، وأحزان الأرامل والثكالى والأيتام، سحابات داكنة، تخيم على القلوب والدروب، ولا أحد يسمع ولا أحد يستوعب كل هذه المآسي، والكوارث يفعلها البشر ضد أنفسهم وضد أهلهم، وضد وطنهم.. فالسيارات في الشوارع، تمارس حركاتها البهلوانية، وتقفز على الأسفلت، في سباق محموم مع اللاشيء، الذهاب إلى اللاشيء، ونيل المجهول في نهاية الأمر.. السائقون في الطرقات يخوضون معارك ضارية وحرباً ضروساً ضد أنفسهم، والسيارات الأسرع من الصوت والتي لا يسمع أصحابها إلا صوت مشاعرهم المتوترة، وهدير هستيريا السرعة، يرن في آذانهم وفي هذه اللحظات الحمقى لا ينتمي هؤلاء إلا إلى الغرور والتزمت والانهيارات العصبية، التي تضغط على مداوس السرعة، بقوة الأنا اللاواعية، وجبروت أحلام اليقظة، وعنفوان مزيف يدفع بهؤلاء بأن يجتازوا السرعات المعتادة، وأن يتجاوزوا الضوابط المرورية، والتحذير والنذير، ويذهبوا بالتبذير إلى أقصى مدى، إلى أن تقع الواقعة يوم لا ينفع الدم.
ما يجري في شوارعنا يثير الفزع، ويملأ القلب بالجزع، لأن من يقودون هذه المركبات تجاوزوا حدود المنطق وألقوا السرعة الزائدة كعادة ومطلب راهن، ولأسباب لا تخضع للمنطق أبداً مهما سبقت من مبررات وأعذار، إنما هي واهية ولا تساوي شيئاً أمام الخسارة القادمة التي يتكبدها المجتمع كما ويدفع ثمنها أناس أبرياء، لا ذنب لهم، ولا حول ولا قوة، غير أنهم ينتمون إلى سائقين خرجوا عن طاعة الضمير، واتخذوا من السرعة الزائدة وسيلة، إما للفت الأنظار، أو التنفيس عن مشاكل ذاتية أو اجتماعية.. ففي بلاد هيأت جل إمكانات السلامة والراحة لمن يرتاد الطرق، في بلاد وفرت كل أسباب الأمان والضوابط والقوانين وإشارات التنبيه، لا يجب أن تحدث مثل هذه المآزق المرورية، ولا يجب أن تذهب الأرواح جفاء، ولا يجب أن يستهتر السائقون بهذا المعطى الجميل.. كل ما نتمناه، أن تتم دراسات وافية ومتعمقة وعلمية للأسباب الخفية وراء هذا التهور، وهذا الانتحار وهذا الاقتحام، الفجائي لسرعات يعلم كل من يتخطاها، فإن مصيره إما إعاقة مزمنة، أو وفاة محزنة، فما يجري لا يمكن أن يكون مجرد صدف أو تسلية، لا بد من وجود دوافع يحتاج إلى دراسة من قبل متخصصين، في علم النفس الاجتماعي، يقومون بإجراء بحوث واستطلاعات ميدانية تخدم المجتمع وتحدد الأسباب وتعطي النتائج الإيجابية لكبح مثل هذه المآسي التي يمر بها المجتمع وتعاني منها الطرق في ساعة وحين.