أحدث الأخبار
  • 10:18 . علماء: التغيّر المناخي "على الأرجح" وراء فيضانات الإمارات وعُمان... المزيد
  • 09:32 . عقوبات أمريكية على أفراد وكيانات لعلاقتهم ببيع "مسيرات إيرانية"... المزيد
  • 09:02 . الاحتلال الإسرائيلي يسحب لواء ناحال من غزة... المزيد
  • 07:55 . حاكم الشارقة يقر إنشاء جامعة الذيد "الزراعية"... المزيد
  • 07:37 . استمرار الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية على حرب غزة والعفو الدولية تدين قمعها... المزيد
  • 07:33 . صعود أسعار النفط بعد بيانات مخزونات الخام الأمريكية... المزيد
  • 07:32 . "أرامكو" السعودية توقع صفقة استحواذ ضخمة على حساب مجموعة صينية... المزيد
  • 07:00 . دراسة تربط بين تناول الأسبرين وتحقيق نتائج إيجابية لدى مرضى السرطان... المزيد
  • 12:00 . الأرصاد يتوقع سقوط أمطار مجدداً على الدولة حتى يوم الأحد... المزيد
  • 11:46 . الجيش الأمريكي يعلن التصدي لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون... المزيد
  • 11:30 . إعلام عبري: مجلس الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفقة تبادل جديدة... المزيد
  • 11:03 . الذهب يتراجع متأثراً بموجة جني الأرباح... المزيد
  • 10:13 . تقرير يحذر من تعرض الأفراد والمنشآت الإماراتية في شرق أفريقيا للهجمات... المزيد
  • 09:14 . إعلام عبري: رئيسا "الشاباك" وهيئة أركان جيش الاحتلال يزوران مصر لبحث اجتياح رفح... المزيد
  • 09:12 . "الكيل بمكيالين".. صحيفة إماراتية تهاجم تمييز لجنة أولمبياد باريس بين "إسرائيل" وروسيا... المزيد
  • 07:52 . أسير إسرائيلي لدى القسام يشن هجوما لاذعا ضد نتنياهو (فيديو)... المزيد

الحالة الانتقالية في العالم العربي

الكـاتب : صالح عبد الرحمن المانع
تاريخ الخبر: 30-11--0001

صالح عبد الرحمن المانع
يمرّ العالم العربي بمرحلة عدم استقرار سياسي ومحاولات متعددة لخلق نوع من الاستقرار، خاصةً في بلدان «الربيع العربي».

وإن كانت الثورات العربية هي نوع من الاحتجاج السياسي على نُظم سياسية استبدادية، فإنها لم تلد مولوداً جديداً يحلّ محلّ النظام القديم، بل إن محاولات الولادة المتكررة باءت بالتعثّر، ويكاد الوليد يُخنق في رحِمِ أمه. وحالة الاختناق هذه مرتبطة ارتباطاً عظيماً بالعالم العربي، أكثر من أي منطقة أخرى من العالم.

فالتحوّل السياسي الذي شهده التاريخ الأوروبي، وإن جاء عنيفاً ومتعثراً، فقد نتجت عنه ولادة أنظمة سياسية جديدة تسمح بالتغيير السلمي وانتقال السلطة من نخبةٍ سياسية إلى نُخبٍ أخرى عبر صندوق الاقتراع.

وفي بلدانٍ أخرى من العالم، مثل دول أميركا الجنوبية، أو أفريقيا، فإن محاولات الانتقال من مرحلة سيطرة عسكرية إلى مرحلة ديمقراطية جديدة قد جاءت كذلك بشكلٍ سلمي، وقادت إلى قيام مؤسسات دستورية جديدة.

ومثل هذا الحال ينطبق كذلك على بلدان شرق أوروبا، التي انسلخت من عباءة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي السابق في التسعينيات، وأصبحت في الغالب ديمقراطيات مستقرّة.

في الأدبيات السياسية الغربية، يسيطر الفكر الإيجابي على نظريات التطوّر السياسي.

فحسب مُنظِّري التحديث السياسي، فإن التمدين يعتمد بصفةٍ كبيرة على التطوّر الاقتصادي، ويضيف «هنتنغتون» إلى ذلك عوامل خاصة بالتحضر وسكن المدن والتطوّر الاجتماعي.

ولدى بعض المُنظِّرين الأوروبيين، فإن دور المؤسسات التشريعية والأحزاب، وكذلك الرأي العام، جوهري في قيادة عملية التغيّر السياسي (انظر مثلاً بعض الأدبيات المنشورة من جامعة «سينّا» الإيطالية). في العالم العربي، لم نتمكن حتى الآن من خلق نظرية جديدة تنظر بعُمق في مسألة التغيّر السياسي والحالة الانتقالية، على اعتبار أنّ النفق الفاصل بين الحالتين قد يكون طويلاً أو قصيراً، مظلماً أو مضيئاً.

ومثل هذا الجدب النظري لا يدفع الأمور إلى الوصول إلى حقيقةٍ مطلقة، أو حتى فرضيةٍ احتماليةٍ قوية.

وتتنازع مستقبل النُظم السياسية قوّتان، إحداهما قوية وتجذب تلك الأنظمة إلى الماضي، بكل بساطته وجماله المزعوم، وأخرى مستقبلية ضعيفة.

وسواءً نظرنا إلى تلك القوى اجتماعياً أو سياسياً، فإنها قوى محافظة تركن إلى نظريات طوباوية خلقت لعصور ماضية، وهناك شكٌّ كبير بنجاحها المستقبلي.

كما أنّ المؤسسات القديمة، اجتماعيةً كانت أم سياسية، تبدو أقوى من قوى الجذب الاجتماعي المستقبلي.

فصورة الماضي العربي تبلورت في مؤسسات عشائرية عتيدة، وبقيادات منتظمة.

وكان رأى بعض الكُتّاب أن القبيلة قد فقدت بريقها، مع ارتحال مواطنيها من الأرياف إلى المدن.

وبعد أن كان غسان سلامة يرى أنّ الريف ما زال يحكم المدينة في بعض البلدان العربية، فإن سقوط الحكم في المدائن العربية «الربيعية»، انتهى إلى انتزاع السلطة، وهذه المرة مدججة بالسلاح، في القبائل والأرياف العربية.

ولعلّ الحالة الليبية، وليست هي الوحيدة، تشير بوضوح إلى كيف أصبحت القبائل والأنحاء البعيدة تناكف المدينة وأُطر السلطة الضعيفة والمنهارة فيها.

كما أنّ مؤسسات الدولة التي يُعتقد أنها قد انهارت، أثبتت على العكس من ذلك أنها قادرة على إظهار قوّتها وصلابة شكيمتها أمام القوى والمجموعات المتعسكرة الجديدة.

فإذا كان الشباب وحركاتهم الاجتماعية يقفون أمام الحرس القديم من الأحزاب الدينية، فإن المؤسسات العسكرية القديمة لا تريد أن تفقد هيبتها أمام مليشيات جديدة، بغضّ النظر عما إن كانت هذه المليشيات مؤدلجة أم عشائرية.

إن الحالة العربية الانتقالية، إذن، حالة صراعية بين قوى متطاحنة يريد كل منها أن يثبت وجوده أمام معارضيه.

ومثل هذه الحالة قد تطول وقد تقصر، وهي في صيرورتها تحاول تبرير وجودها ومنافستها على السلطة بكل الطرائق الإيديولوجية والتبريرية.

وقد تلجأ في بعض الأحيان إلى الانتخابات وصناديق الاقتراع، ليس إيماناً بهذه الصناديق، بل لأنّ هذه إحدى وسائل تثبيت الشرعية، وتركيزها في أيادي النخب الجديدة.

في الماضي، كان الزعيم السياسي يزمجر ويهدد ويتوعد منافسيه، ولعلّ القذافي كان يمثّل الزعيم المثالي المغرور بقوته وعظمته، غير أنه لم يكن وحيداً في ميدانه، فقد سبقه زعماء كثيرون من عهد قاسم وغيره من الزعماء الذين وصلوا إل السلطة على ظهر الدبابات.

أما اليوم، فإنّ مثل هذه الزمجرة لم تعد كافية لطالب السلطة، وبات يبحث عن وسائل ورسائل مقنعة لشعبه ولزعماء العالم من حوله.

وقد يتساءل المرء، هل ستنجح النظم السياسية العربية عبر بوابة الانتخابات والاستفتاء على الدستور وغيرها في بناء أنظمة ديمقراطية عصرية؟ أم أنّ مثل هذا اللباس ليس إلا وسيلة ومظهراً دون أن ينبئ عن مخبرٍ حقيقي؟ يمكن للمرء هنا أن يعود إلى الثقافة السياسية السائدة، فهي ثقافة غير ديمقراطية عموماً، ولا تقبل بالحوار والنقاش والوصول إلى إجماعٍ عبر حلول وسطى.

بل إن الثقافة العربية تشجّع الانفراد بالرأي، ومحاولة فرضه على الآخرين، بحكم إيمان الفرد بأنّ رأيه هو الأسمى.

وبالتالي، فلا يوجد إشكال إذا كانت المسألة ذات طابع نظري بحت.

ولكن الإشكال يظهر حينما تتحوّل هذه المعطيات إلى حركةٍ سياسية تفرض رأياً واحداً على مجتمعٍ أو شعبٍ بأكمله، وهنا يمكن أن تكون العلّة.

ففي المجتمعات المتحضّرة لا يوجد رأي أوحد، بل هناك آراء ومدارس متعددة تتنافس على اجتذاب الرأي العام، وكسب غالبية آراء الشعب، أو فلنقل الأغلبية المؤثرة من صُنّاع القرار.

وسبل التنافس دائماً ذات طابع سلمي بحت.

أما في بلداننا العربية، فإنّ اللعبة السياسية ذات طابعٍ صفري، فمكاسبي ليست إلا خسائرك.

وللغنيمة طريقٌ أوحد، ولا يمكن تقاسمها.

ويبدو أنّ صيرورة الصراع المرحلي في العالم العربي ستصبح متحوّلة بين آنٍ وآخر، آخذةً في بعض الأحيان بمصالح قوم، أو مجموعات سياسية، ومعطيةً ظهرها في أحيان أخرى لنفس المجموعات التي امتطت صهوتها في وقتٍ سابق.

بمعنى أنّ المسار متغيّر ومتحرّك، ولا يمكن التنبّؤ بمستقبله.

نحنُ إذن في مرحلةٍ ما بعد «الربيع العربي»، أشبه ما نكون بمرحلة الثلاثين عاماً التي تلت الثورة الفرنسية، فيوماً سيُعطي «الربيع العربي» أبناءه ثمار عملهم، ويوماً آخر سيقلب ظهر المِجنّ لهم، وكما يقال، تأكل الثورة أبناءها.

تُرى أين سنكون؟ وهل ستطول هذه الفترة الانتقالية؟ أم أن عقلانية مستقبلية ستفرض منطقها على منطق الجبروت والقوة؟.