كان «الملتقى الإعلامي الخليجي» الثاني، الذي احتضنته الكويت 14 - 15 أكتوبر 2014، ملتقى مثمراً، لتفاعل الإعلام الرسمي مع الإعلام الخاص، إذ أتاح حضور وزراء الإعلام الخليجيين وحرصهم على المشاركة في التعليق والتعقيب وردودهم على التساؤلات الموجهة إليهم من قبل المتحدثين وممثلي وسائل الإعلام الخليجي (الخاص)، وكان مجالاً حراً لتفاهم أفضل لقضايا الإعلام الخليجي. الكُتاب والأكاديميون والمحللون وممثلو الإعلام الخاص، شكواهم الدائمة من القيود الإعلامية، وهمهم المطالبة بتوسيع إطار الحريات الإعلامية، في الوقت الذي يركز فيه ممثلو الإعلام الرسمي على المسؤولية الإعلامية، ولعل خير من عبر عن هذه القضية وزير الإعلام الكويتي الشيخ سلمان الصباح في تعقيبه المتزن في الجلسة الأولى، حين أكد أنه مع توسيع الحريات الإعلامية ومع ضمانات حريات التعبير، وأنه لن يضيق صدراً بوجهات النظر كافة، ولكنه يريد حريات إعلامية مسؤولة لا «تفبرك» الخبر ولا تروّج للإشاعات ولا تحرض على العنف والكراهية، ولا تجرح الآخرين وتطعن في ذممهم وتشكك في معتقداتهم ووطنيتهم، فالحرية تقابلها المسؤولية، وإلا عمّت الفوضى ولم يسلم أحد على عرضه وسمعته وحياته ومعتقده.

المتحدثون من مختلف دول مجلس التعاون وجهوا انتقادات وملاحظات محقة للإعلام الخليجي، وقدموا مقترحات جيدة تهدف للارتقاء به، وأجمعوا على ضرورة السعي إلى تعزيز «الوحدة الإعلامية» بين دول المجلس، بحيث يجسدها «خطاب إعلامي خليجي واحد»؛ لأن ما هو حاصل اليوم أن الإعلام الخليجي، إعلام دول خليجية لا «إعلاماً خليجياً موحداً» فلا تجمعه سياسة موحدة ولا رؤية خليجية واحدة.

الإعلاميات الخليجيات كان لهن نصيب وافر، إذ أجمعن في حديثهن حول «مستقبل الإعلامية الخليجية»، على أنهن عانين ولا يزلن من صعوبات ومعوقات في مسيرتهن الإعلامية، من تحكم الرجل الخليجي وهمينته على المناصب الإعلامية، وكانت الإعلامية القطرية ريم الحرمي أكثرهن صراحة، حين عللت «الذكورية الإعلامية» بأن الرجل الخليجي يرفض أن ترأسه امرأة، بل ويخشى من نجاحها!

ولكن مهما كانت الانتقادات الموجهة للإعلام الخليجي من افتقاده «رؤية موحدة»، إلا أنه لا يُنكر أن هذا الإعلام قد تطور كثيراً وأصبحت له «سمات» و«قسمات» و«هوية» مميزة، على امتداد الساحات الإعلامية، العربية والدولية، بل وأصبح مؤثراً وفاعلاً، ومن يرصد تاريخ الإعلام الخليجي ويتأمل ظروف نشأته، مقارنة بما وصل إليه اليوم، يخرج بتصور وانطباع إيجابيين، لقد كان الإعلام الخليجي فيما مضى، تابعاً محكوماً بالإعلام العربي العام، يتماهى معه وينشغل بقضاياه، أكثر من انشغاله بهموم البيت الخليجي وقضاياه. ولكن تطور الإعلام الخليجي، نوعياً وكمياً وتقنياً، وأصبح يعبر عن «ثقافة خليجية» خاصة بالمنطقة، وأصبح قادراً على مواكبة التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتسارعة، التي تشهدها منطقة الخليج، بل لقد أصبح يقوم بدور المستشرف لآفاق المستقبل الخليجي. وقد أصبح الإعلام الخليجي، مؤثراً بقوة، في الساحة الإعلامية العربية والدولية، وله دور كبير في تشكيل فكر وقناعات الناس.. تُرى من ينكر دور الإعلام الخليجي في أحداث «الربيع العربي» ومجرياته؟ من ينكر دور الإعلام الخليجي في مواجهة الفكر المتطرف؟ من يجادل في قوة تأثير الإعلام الخليجي في تسويق «الوحدة الخليجية» وإنجازاتها؟

من ينكر قوة تأثير الإعلام الخليجي في ترويج وتعزيز «منهج الواقعية والاعتدال» كاستراتيجية خليجية ثانية في مواجهة «محور الممانعة والفوضى» المدعوم خارجياً؟ من ينكر دور الإعلام الخليجي، عربياً وإقليمياً، في مواجهة الأدوار الإقليمية الهادفة إلى نشر الفوضى والاضطراب؟

لقد كان وزير الإعلام الكويتي، صريحاً حينما أهاب بالإعلاميين الخليجيين، كونهم يحملون مسؤولية مضاعفة، تجاه ما يحيط بنا وبشبابنا من أفكار مشبوهة ومتطرفة ومن دعوات تحريض على الكراهية، وبخاصة «الإعلام الجديد» الذي له قوة تأثير في القطاعات الشبابية، دعاهم إلى تفعيل وسائل إعلامنا بما يحصّن شبابنا ويثقفهم بسماحة الإسلام ووسطيته، كما دعاهم للتصدي لكافة مهددات الأمن القومي الخليجي.

وكان من حسن التنظيم، تزامن الملتقى مع احتفالات الكويت بتكريم الأمم المتحدة لأمير الكويت، بتسمية سموه قائداً للعمل الإنساني، وتسمية الكويت مركزاً للعمل الإنساني، وهو تكريم مستحق للكويت وأميرها ولدول مجلس التعاون وقادته، الذين لا يتوانون عن الاضطلاع بمسؤولياتهم الإنسانية والخيرية على كافة الصعد العربية والإقليمية والدولية.

ويبقى أن نقول، إن الشكوى من الإعلام وتحميله مسؤولية معاناة مجتمعاتنا، شكوى دائمة ومستمرة، وكما يقول المفكر السعودي راشد المبارك: الإعلام في نظر كثيرين، سبب كل بلاء وناشر كل خطيئة ومسوّغ كل ذنب، ولكن الإنصاف يقتضي أن نرى الإعلام «سوقاً» كبيرة تعرض فيها البضائع كافة، فهل على الإعلام أن يتبنى وظيفة معلم الصبيان، يحمل في يده عصا غليظة، يؤدب بها كل من يخرج عن النهج؟! أليس الإعلام هو «المرآة» التي نرى فيها أنفسنا إيجاباً أو سلباً؟