التخوف الاجتماعي من العلاج النفسي لا بد أن يزول، فالقراءة الدقيقة للمجتمع المحلي من خلال تصرفات بعض الأفراد وآرائهم وتنفسهم المقروء والمسموع والمشاهد يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنهم بحاجة للمرور على محطة الطب النفسي، والتأكد من أن هذه الأنفس لم يمسها عارض وليست عرضة لخطر مستقبلي.

حاولت أن أحصل على معلومة دقيقة تتضمن عدد المستشفيات المحلية التي تعنى بالطب النفسي، وعثرت بالمصادفة على جملة مهمة على لسان المدير العام الشؤون الصحية بمنطقة الرياض، حيث ذكر أن من المقرر زيادة عدد المستشفيات النفسية بحسب الخطة المعتمدة لوزارة الصحة، كي تصبح 35 مستشفى نفسياً ومجمع أمل، وإن كنت لم أعرف عددها الفعلي الحالي، لكني وصلت لعدد مستقبلي مستهدف مع غياب التاريخ المتوقع للبدء والتفعيل.

مجمعات الأمل في السعودية قليلة جداً ولا تتوازى مع حجم المحتاجين لها والمنتظرون لربع كرسي فيها، من أجل الخروج من عثرة حياة ونفق مظلم دخلوه ذات غيبوبة عقل، وللحديث عنها أسطر مستقلة قادمة، ولكن الفقر الذي نعانيه في مستشفيات الأمل نعانيه أيضاً في عدد المستشفيات النفسية، التي أرى أننا نحتاجها بشكل عاجل حتى لا ندخل في تجارب تجار الرقية، وتبعات الاستخدام المفرط للعلاجات والأدوية الشعبية، ونحل ما أمكن من التضارب النفسي والعقلي المتطور.

مفهوم العلاج النفسي مفهوم متداول شعبياً في خانة العيب وعلى استحياء، لأنه كان لزمن طويل رديفاً للجنون والنقص العقلي، على رغم أن حالات كثيرة عبرت على حالات اضطراب حياتية رهيبة ومرت بشتى المناطق المتاحة للعلاج والوصفات المنتشرة بضغطة زر أو توصية صديق، إنما توقفت واحترمت أخيراً مربع العلاج النفسي، ومن خلاله عبرت للعافية والاتزان والثبات البدني، والهروب من تجارب البسطاء والشعبيين والدخول من بعدهم في دهاليز ليس الخروج منها كالدخول فيها.

العمل على تفعيل جانب العلاج النفسي خطوة فاعلة ناجحة، وذات أثر بالغ في ظل أن كثيراً مما يقع ما بين أيدينا من صور ومشاهدات يثبت أن العامل النفسي مضطرب ومترد وداعم لمزيد من الجنوح على مختلف أصعدته، ولن تعمد وزارة الصحة عبثاً لزيادة المستشفيات النفسية إلا لأن الاحتياج لها ملموس منذ أعوام كنتاج للتأثيرات الحياتية المتنوعة، لكن الخطط لن تفيد شيئاً إذا لم تتجاوز حيز الورق، وتتحول سريعاً لواقع هو المنتظر، مع الالتزام المتزامن بنشر مفهوم العلاج النفسي وتأثيراته الإيجابية، كنقطة مفصلية في استثمار الواقع وتحقيق الهدف العام من الخطة والعمل.

قائمة كبرى بالأمراض النفسية التي تنتابنا بين حين وآخر، ترهقنا وتبعثرنا وتؤثر على السلوكيات والتصرفات وتجعلنا أسرى للحزن والكآبة والانفعالات اللحظية ذات التأثيرات الكارثية، نقرأها أفعالاً طبيعية وفي الإمكان معالجتها بجلسة أو جلستين إذا ما أهملنا كذبة العيب والتخلف التي يحتلنا إزاء العلاج النفسي، لست هنا بصدد تقديم دعائي للطب النفسي، لكن بداخلي قناعة كبيرة في أن حاجة كثيرين منا لطبيب نفسي تبلغ أقصى درجاتها في الوقت الحالي، على أن تتبنى وزارة الصحة مجانية العلاج وسهولته، حتى لا يُسْتَثْمَر الإنسان الخطأ بالطريقة الخطأ.