لقد فهم البعض مسألة تجديد الخطاب الديني فهماً خاطئاً، بل أكاد أقول إنه استغل هذه المسألة لتحقيق أهدافه الخاصة، حيث وصلت به الجرأة والتطاول على الدين إلى درجة التطرف الذي لا يقل خطراً عن تطرف الجماعات الدينية المتشددة التي اختطفت الإسلام زوراً وبهتاناً وعملت على تشويهه ونسبت إليه أفعالاً لا علاقة لها بالإسلام، وقد جرَّت بذلك على المسلمين الكثير من الفتن والكوارث والدمار والخراب الذي نشاهده اليوم في مواقع عدة من العالم الإسلامي، وعرّضت الأمة لأخطار جعلتها تتدحرج بين مؤامرات معقدة وتدور في دائرة الأطماع التقسيمية.
ويتجلى ذلك في المحاولات المستمرة للطعن في الإسلام والتشكيك في ثوابته، ومحاولات النيل من القرآن الكريم والسنة النبوية، والتطاول على الموروث الديني والحضاري، والإساءة إلى المؤسسات الدينية العريقة مثل الأزهر الشريف وعلمائه الأفاضل، كما فعل بعض الكتاب والمثقفين ممن يعتبرون أنفسهم فلاسفة ومفكرين ومجددي العصر، لكن علاقاتهم معروفة بدوائر خارجية تغدق عليهم المال والشهرة والألقاب الفخمة والجوائز الكبيرة وتمنحهم التوصيفات الرنانة وتصنع منهم نجوماً يتم الترحيب بها في المحافل الدولية.. جزاء تطاولهم على الإسلام.
لقد كتب أحدهم في إحدى المجلات المصرية قائلاً: مشايخنا هم الذين صنعوا التطرف والإرهاب، وكتب آخر في نفس المجلة، وبعد أن اتهم الأزهر ومناهجه التعليمية بأنها تفرخ الإرهاب والتطرف، فقال: أعرف العشرات من خريجي الأزهر وهم بعيدون كل البعد عن الصورة الموجودة في عقولنا، مسطحون فكرياً، لا يفهمون مما درسوه شيئاً، والأهم أن أخلاقهم تصدم من يعرف أنهم خريجو الأزهر.
أما أحد هؤلاء، وهو يقدم برنامجاً تلفزيونياً مثيراً للجدل، فيتسم أسلوبه بالاستفزاز ويحفل بالكثير من الإساءات والتجرؤ على الدين. فهو لم يكتفِ، كما جاء في بيان الأزهر الشريف، بالتحريض على الفتنة وتشويه الدين وتعمد النيل من أئمة وعلماء الأمة، بل عرّض شباب الأمة للتضليل والانحراف والعمل على مناهضة السلم المجتمعي والأمن الفكري والإنساني.
وهناك أيضاً من دعا لنبذ الحجاب، ومن ذهب أبعد منه ودعا لنشر العري في التلفزيون لأنه -حسب قوله- عندما يتسرب إلى الشاشة لن يكون هناك كبت، كما دعا آخر إلى السماح بممارسة الجنس قبل الزواج، وغيره دعا إلى إعطاء المثليين حقوقهم الجنسية، ومن قال زوراً وبهتاناً إن القرآن الكريم والسنة النبوية لم يحرما الخمر، ومن دعا إلى الإفطار العلني في رمضان لأنه من حقوق الإنسان.
ما يهمني هنا ليس هذه الافتراءات الخطيرة على الإسلام، والتي تشبه تماماً ما يقوله بعض المتحاملين من مفكري الغرب ضد الملة السمحاء، بل الترابط القوي بين ممثلي التطرف على الجانبين، التطرف الديني والتطرف الإلحادي، فالهدف الأساسي هو تشويه الدين وتدمير مؤسساته، وقد كشف علماء الإسلام الأفاضل العورات الفكرية والتشوهات العقلية والأيديولوجية لهذه «الخلايا النائمة»، سواء أكان شعارها تطبيق الشريعة وإعادة إحياء الخلافة، أم نشر التجديد والتنوير والحداثة.
والهدف المشترك من وراء كل ذلك إنما يتمثل في غرضين أساسيين:
الأول: محاربة الإسلام وخلق أجيال تضيق به، تنفر من القرآن الكريم والسنة النبوية، وتعاني من الفراغ الروحي.
الثاني: تنفيذ أجندة أيديولوجية قالت بوضوح، بعد سقوط الشيوعية، إن العدو الأول للغرب هو الإسلام.