بعد أن ساند مجلس النواب البريطاني حقوق الإنسان في الدولة عدة مرات وطالب بالتحقيق في حالات التعذيب بات هذا المجلس هدفا من جانب الحكومة الإماراتية بهدف استمالتهم لمساندتهم لها أو لعدم تبنيهم أو طرحهم أية قضايا على الأقل تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في الدولة. فماذا قدمت الإمارات للنواب البريطانيين وكيف مولت زياراتهم إليها ولغيرها من الدول، وكيف كانت مساندة البرلمان البريطاني لحقوق الإماراتيين؟
تمويل واستمالة
يتعيَّن على أعضاء البرلمان البريطاني تسجيل كافة الزيارات الخارجية التي تربو نفقاتها على 300 جنيه إسترليني (464 دولارًا)، في حال دفع شخص آخر هذه التكاليف وليس الشخص نفسه، أو تمت تغطيتها من الأموال العامة البريطانية.
و بسبب تغيير أعضاء البرلمان البريطاني في الدورات الانتخابية المتعاقبة، فإن هذا يرتب تكلفة إضافية على خزينة الدولة وأموال الإماراتيين طمعا في كسب الأعضاء الجدد بعد أن حلوا محل الأعضاء القدامى الذين بدورهم أيضا مولت لهم زيارات واستميلوا بهذا الدعم المالي.
"جالف ستاتس نيوز" قالت، إن الإمارات هي الوجهة الأكثر جذبًا للنواب البريطانيين مقارنة ببقية دول مجلس التعاون الخليجي في 2014-2015. حيث دفعت الإمارات 6.365 جنيها إسترلينيًا لتغطية نفقات زيارة رئيس لجنة الاستخبارات والأمن بمجلس العموم البريطاني، السير مالكولم ريفكيند (منذ وقفه من قبل حزب المحافظين لم يعد عضوًا في البرلمان) لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي في دبي خلال شهر نوفمبر 2014.
ودفعت وزارة الشؤون الخارجية الإماراتية 7000 إسترليني لتغطية نفقات زيارة وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أليستر بيرت، وزوجته لحضور منتدى صير بني ياس في نوفمبر.
ويشير السجل أيضًا إلى أن الحكومة الإماراتية دفعت 3500 إسترليني لتغطية تكاليف زيارة جيما دويل (النائبة العمالية، التي فقدت مقعدها في البرلمان منذ ذلك الحين) ما بين 16 إلى 19 نوفمبر 2013 (لم تسجل إلا في عام 2014)، وذلك لتعزيز العلاقات بين المملكة المتحدة والإمارات.
كما سافر "بيرت" إلى الإمارات في شهر مايو لزيارة ممثلين عن وزارات الخارجية بالنيابة عن Markham Services Limited؛ وهي شركة خاصة يمتلكها ستوارت بولاك وزوجته. ورأس "بولاك مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين CFI البرلمانية منذ عام 1989، وهو شريك مؤسس لواحدة على الأقل من شركات ويستمنستر للاستشارات: TWC.
وشملت رحلة "بيرت" زيارة إلى عُمان، وغطت Markham رحلة الطيران بـ5000 إسترليني.
ودفعت شركة طيران الإمارات 3015 إسترليني للنائبة العمالية تيسا جويل، التي استقالت من منصبها في الانتخابات الأخيرة، لزيارة دبي ومومباي؛ حيث حضرت قمة المدن المستضيفة.
كما دفع صندوق رأس الخيمة 20 ألف إسترليني للمحافظ جريجوري باركر، الذي استقال للتركيز على أنشطته الخاصة، بالإضافة إلى تكاليف رحلة العودة جوًا والإقامة الفندقية؛ لتقديم خدمات استشارية استغرقت نحو 30 ساعة.
أيضًا زار رئيس الوزراء البريطاني وعضو مجلس العموم السابق جوردون براون، أبو ظبي ما لا يقل عن مرتين في عام 2014، وتكفلت جامعة نيويورك بتكلفة الرحلات الجوية والإقامة لموظفيه بقيمة 12.691 إسترليني، وزار دبي مرة أخرى أواخر عام 2014، كجزء من مهامه في المنتدى الاقتصادي العالمي. وفي يوليو 2014، سجَّل زيارة إلى دبي؛ لإلقاء كلمة في الجامعة الأمريكية، تقاضى في مقابلها 46.512.74 إسترليني، بالإضافة إلى 32.256.46 إسترليني تكلفة رحلات الطيران والإقامة له ولموظفيه.
تضامن البرلمان البريطاني مع حقوق الإماراتيين
إزاء سياسة الصرف الإماراتية الرسمية لنواب ومسؤولين بريطانيين، كان أعضاء في هذا البرلمان يسجلون تاريخا من التضامن الحقوقي مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات، وفق ما يؤكده ناشطون.
الشقيقات الثلاث في البرلمان البريطاني
ناقش البرلمان البريطاني في أبريل الماضي الاعتقالات السياسية والتعذيب وقمع حرية الرأي والتعبير في دولة الإمارات، برئاسة وزير العدل في حكومة الظل "آندي سلوتر" لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات بعد نحو شهرين من الاختفاء القسري للشقيقات الثلاث اللواتي أُخفين قسرا من فبراير وحتى مايو 2015. واطلعت الحكومة البربطانية على كيفية إخفاء المعتقلين في سجون سرية لفترات طويلة، و تعذيبهم بالصعق الكهربائي والضرب والشبح والتهديد بالاغتصاب، وفق منظمات حقوقية حضرت مناقشات البرلمان.
وناقشت الجلسة الختامية لجلسة البرلمان البريطاني السجون السرية والتعذيب في الإمارات، وطالب مشاركون في الجلسة البرلمانية، الحكومة البريطانية بإيقاف تعاملاتها التجارية مع الدول التي تنتهك حقوق الإنسان مثل الإمارات.
وكان أعضاء في البرلمان البريطاني قد وجهوا نداء إلى دولة الامارات في منتصف ديسمبر 2014 للإفراج عن محامي حقوق الإنسان الدكتور محمد الركن.
"التعذيب الإماراتي" في البرلمان البريطاني
وفي العام 2014 طرحت النائب كاتي كلارك، في البرلمان البريطاني "أسئلة التعذيب في الإمارات"، وتلقت جوابا، يفيد: بأن العلاقات الوثيقة بين المملكة المتحدة وحكومة الإمارات تسمح بمناقشة أية مسائل حساسة بما فيها حقوق الإنسان، وعلى كل المستويات.
في الواقع، أسئلة البرلمان البريطاني، ليست المفاجأة الأولى التي تلقتها السلطات الإماراتية من حلفائها التقليديين. فقبل نحو أسبوع واحد، طالب البرلمان البريطاني الحكومة البريطانية بالضغط على الإمارات للإفراج الفوري عن محاميي حقوق الانسان الدكتور محمد المنصوري والدكتور محمد الركن، لتكون هذه المطالبة المفاجأة الثانية في مسار المواقف البريطانية خلال أسبوع. أما الصدمة فكانت تقرير الخارجية الأمريكية - الحليف الأبرز لهذه السلطات- قبل نحو شهر من الآن، ما سبب إرباكا فوق العادة في أروقة هذه السلطات، التي وجدت نفسها أمام سيل من الاتهامات والإدانات الحقوقية، وفي موقف دفاع عاجز، منزوع الحجة والقدرة على دفع أي اتهام، بل جاء دفاعها غالبا عكس ما تريد، نظرا لفشل هذه السلطات بالمحاجة والإقناع.
"جيمس لينش" والبرلماني "سيدي هيلتون"
أثار عضو البرلمان البريطاني “سيدي هيلتون”، منع السلطات الإماراتية ناشط حقوقي بريطاني من دخول الإمارات في مايو الماضي، ووجه “هيلتون” مذكرة للحكومة البريطانية بعنوان، “الإمارات العربية: حقوق الإنسان”، ذكر أن سلطات مطار دبي منعت المواطن البريطاني “جيمس لينش” دون غيره من المهنيين العاملين في منظمات حقوق الإنسان الذين وصلوا الإمارات للمشاركة في مؤتمر حقوقي حول ظروف العمل والعمالة الوافدة في الدولة حيث تم السماح لجميع المدعوين باستثناء “لينش”. وقال “هيلتون”، نسأل حكومة صاحبة الجلالة ما هي المناقشات التي تمت مع حكومة دولة الإمارات” بخصوص هذه القضية.
لذلك، وبصفة عامة، يتوقع مراقبون أن جهود الحكومة في استمالة نواب بريطانيين لن تتوقف بل ستزداد وذلك بسبب استمرار الانتهاكات الحقوقية المستمرة في الدولة يقابلها تضامن البرلمان البريطاني والذي إن وجد من بين أعضائه تمويلا إماراتيا فإن هذا التمويل لن يكون كافيا لذر الرماد في العيون أو دفعه لإغلاق عينيه، خاصة أن النواب يعلنون بكل شفافية عن هذا الدعم في الوقت الذي تحرص الإمارات على إبقائه سريا.