وكأنه لا يكفي دولة الإمارات الخلل السكاني الكبير وما يترتب عليه في جميع المجالات من تحديات وتهديدات باتت معروفة للجميع، حتى يضاف إلى أزمات الإماراتيين ظروف العمل وضغوطه المتعمدة أحيانا التي تدفعهم للاستقالة بالآلاف من أكثر المجالات أهمية وحساسية وارتباطا بالتنمية والأمن بمفهومه العام رغم جميع خطط ووعود التوطين وإعلاء أهمية الأمن. فما هي المجالات الحيوية التي يستقيل منها الإماراتيون بالآلاف، وما هي الأسباب الحقيقية ومتى بدأت هذه المشكلة المتفاقمة، وهل هي أزمة إدارية أم سياسة مؤسسات حكومية وشبه حكومية اتحادية؟
أحدث إحصاءات الاستقالات الجماعية
تعود جذور ظاهرة استقالات الإماراتيين الجماعية إلى وقت مبكر مقارنة بالعمر السياسي والاجتماعي الحديث للدولة الذي بدأ عام 1971. فالبحث والاستقصاء الذي قام به "الإمارات 71" وقف على إحصاءات ومعلومات منذ عام 2008. ومع ذلك، يصر مسؤولون بأن الاستقالات الجماعية ليست ظاهرة رغم جميع المعطيات التي تؤكد أنها باتت أزمة وليس مجرد ظاهرة فقط.
صحيفة "الإمارات اليوم"، نشرت الخميس (28|4) أحدث إحصائية عن الاستقالات الجماعية، نقلا عن "الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية"، بينت أن عدد الموظفين المواطنين المستقيلين لدى الجهات الاتحادية على مستوى الدولة، خلال 2015، بلغ 2105 موظف، بنسبة وصلت إلى 5.6% من أصل نحو 37 ألف موظف إماراتي اتحادي.
وكان وزير التربية والتعليم حسين الحمادي قد رد على استجواب في المجلس الوطني بشأن استقالات المعلمين الجماعية بأن 712 معلما استقالوا خلال عامين، مقللا من أهمية وخطورة هذا المنحى، دون أن يقدم سببا واحدا لا يمكن أن تتعامل مع الحكومة أو الوزارة. إذ قدم المعلمون أسبابا منطقية ويمكن التجاوب معها بسهولة كونها حق لهم، كما سيظهر بعد قليل. وبلغت نسبة المستقيلين في التربية 10% من عدد المعلمين المواطنين، وتبين أن 95% من هذه الاستقالات "طوعية".
الأعمال التي يستقيل منها المواطنون
ليس مجال التعليم وحده الذي يواجه استقالات جماعية وطوعية متواصلة في الدولة رغم أن التعديل الوزاري الأخير الذي أعلنه رئيس مجلس الوزراء محمد بن راشد نزع المبرر أمام أية مشكلات في الميدان التعليمي تحديدا بتعيين 3 وزراء لحقيبة التعليم لأول مرة في تاريخ الدولة والمنطقة.
قطاع المصارف
المجال الذي يحظى باهتمام وخطط منذ عقدين ولا يزال ينزف هو مجال العمل المصرفي رغم أنه ليس حكوميا ولكنه يرتبط بالأمن الاقتصادي والأمن بمفهومه العام، خاصة أن حاكم دبي محمد بن راشد قد أعلن مؤخرا تشكيل "مجلس دبي للأمن الاقتصادي".
صحيفة "الإمارات اليوم" قالت بتاريخ (9|3|2010)، "2796 مواطناً استقالوا من القطاع المصرفي عام 2009". وبحسب بيانات رسمية صادرة عن المصرف المركزي، فإن عدد المواطنين الذين تركوا العمل في القطاع المصرفي خلال الأشهر الـ11 الأولى عام 2011 بلغ 401 مواطن، إذ تراجع عددهم من 12481 مواطناً بنهاية ديسمبر 2010 إلى 12080 مواطناً بنهاية نوفمبر.
أما صحيفة "الخليج" فقد أكدت بتاريخ (26|5|2014)، " أن 2178 مواطناً قد استقالوا عام 2013 من القطاع المصرفي". وصحيفة "الاتحاد" بتاريخ (13|9|2015) قالت: " تتزايد ظاهرة خروج المواطنين من العمل في القطاع المصرفي من عام لآخر، ليتراجع عدد المواطنين العاملين في البنوك بنحو 1123 مواطناً ومواطنة خلال السنوات الثلاث فقط".
قطاع الصحة
وفي قطاع الصحة كشفت صحيفة "الإمارات اليوم" بتاريخ (15|6|2010) أن المجلس الوطني أكد استقالة 39 طبيبا مواطناً، و24 فنيا مواطنا إلى جانب عشرات الأطباء والفنيين من جنسيات أخرى، إذا أشرنا إلى سياسة الوزارة بصورة عامة. والإماراتيون يدركون ماذا يعني استقالة 40 طبيبا إماراتيا!
قطاع الاتصالات
وفي مجال الاتصالات، فإن شركة "اتصالات" طورت ما يشبه تقنية "الموت الرحيم" من حيث الأسلوب لمن قرر الانتحار في بعض دول العالم. فقد كشف تقرير رسمي في أبريل الجاري، أن 182 موظفاً مواطناً يعملون لدى "اتصالات"، اختاروا التقاعد عن العمل، خلال العامين الماضيين، ضمن برنامج "الانفصال الطوعي"، الذي استحدثته الشركة! ولعلها سابقة أن تطور شركة تقنية لفصل موظفيها بدلا من الحرص عليهم والحيلولة دون تسربهم أو "دورانهم" بحسب التسمية غير المناسبة التي تطلق على هذه الاستقالات.
أسباب استقالات الإماراتيين
تعددت أسباب استقالات الإماراتيين من الوظائف والأعمال السابقة ولكن القاسم المشترك الأكبر بينها هو فجوة الحقوق والحوافز التي يحصل عليها الموظف المواطن في المؤسسات الاتحادية عن المؤسسات المحلية، إلى جانب تفضيل العنصر الأجنبي في جميع الوظائف السابقة بما فيها التعليم وفق ما أفاد به مستقيلون أو يخططون للاستقالة.
فقد عرضت قناة "سما دبي" في أبريل 2015 بعض أسباب استقالات المعلمين ، ومنها أن المعلم ليس له تأمين صحي على خلاف الموظفين الآخرين في المؤسسات الأخرى سواء أكانوا مواطنين أم مقيمين. معلمون ادعوا أن هدف الضغوط عليهم لإجبار الموظفين ذوي الخبرات الطويلة للاستقالة لتعيين معلمين حديثي التخرج برواتب وتكلفة أقل، حتى ولو كان المعلم البديل إماراتيا، ولكن في حالة المعلم المقيم فإنه أقل تكلفة على الحكومة أيضا.
أما أسباب الاستقالات في المصارف فهي، وفق ادعاء موظفين تحدثوا لصحيفة "الإمارات اليوم" في نوفمبر 2013، "فإنهم يتعرضون لاضطهاد لإجبارهم على الاستقالة من وظائفهم،.. إذ تتعمد إداراتهم تعيين عدد من الخريجين الجدد الذين يتقاضون رواتب متدنية".
وفي تقرير بتاريخ (10|3|2013) لموقع إيلاف الإخباري عزا مستقيلون من القطاع المصرفي استقالاتهم إلى" هيمنة كبيرة من قبل أصحاب الجنسيات الأجنبية على معظم القطاعات الرئيسية والهامة في ذلك القطاع وتعمل هذه الهيمنة على استقطاب ذويها، ومن ثم تهميش المواطن الإماراتي ودفعه إلى الاستقالة"، على حد تعبيرهم.
وفي القطاع الصحي، فقد أرجع المجلس الوطني أسباب الاستقالات إلى "ضعف الامتيازات المقدمة للأطباء في وزارة الصحة مقارنة بالمؤسسات الحكومية المحلية والقطاع الخاص".
كما أكد معظم المستقيلين أن التعديلات المرتقبة على قانون المعاشات والتأمينات كانت سببا رئيسيا للاستقالات، ما يؤكد أن السياسة الاجتماعية هي السبب في أزمة الاستقالات، إذ أفادوا أن رفع نسبة الخصم من 5% إلى 15% من اقتطاعات رواتب الموظفين دفعتهم للاستقالة.
وفي قطاع الاتصالات، فقد شكا مواطنون من إقرار هيكل إداري جديد وصفوه "بغير العادل" إضافة إلى توظيف الشركة عشرات القيادات الأجنبية في المراكز العليا باتصالات شملت أوروبيين وأمريكيين وبرازليين وأتراك.
صحيفة "الإمارات اليوم" التي تصدرت لهذه الأزمة في "اتصالات" أوردت رد الرئيس التنفيذي للمؤسسة محمد خلفان القمزي والذي نفى أن تكون هناك ظاهرة استقالات جماعية، قائلا:" هناك أربعة أفراد أو خمسة فقط معروفين، يقومون بحملة على المؤسسة معظمهم مواطنون". وتابع:" لا أدري ماذا يريدون بالضبط؟"، على حد تعبيره.