يحاول البعض أن يصور رمضان على أنه شهر الكسل ونوم النهار وسهر الليل في صورة معاكسة للإنتاجية التي ينبغي أن تصبغ حياتنا خلال هذا الشهر، رمضان في تاريخنا مليء بالإنجازات؛ ففيه كانت معارك مفصلية كبرى وإنجازات علمية غيرت وجه العالم. ربما فرض نمط حياتنا اليوم علينا أن يكون رمضان الأقل إنجازاً من ناحية العمل الحكومي والبيروقراطي نتيجة ساعات الدوام الأقل ولكن هذا لا يعني أن نكون غير منتجين في رمضان.
هناك صورة مشرقة للإنتاجية الرمضانية في مجتمعنا لا يلحظها الكثير من الناس، ما أن يبدأ الشهر حتى تشتعل المؤسسات الخيرية نشاطاً بشقيها الثقافي والإنساني، المئات من المتطوعين ينطلقون في مختلف مناحي العمل الخيري للاستفادة من الأجواء الرمضانية الداعمة لفعل الخير، ومن خلال قربي من هذه المؤسسات أستطيع أن أنقل حجم العمل الذي يبذل وضخامة الجسم التطوعي الذي يرتبط بهذه الأعمال، وربما حضر الكثيرون من فعاليات هذه المؤسسات في رمضان وشاهد الشباب الذي يتحركون يمنة ويسرة لضمان سير الفعالية على أتم وجه، وهذه هي أجواء رمضان خلف كواليس فعالياته الظاهرة للعيان، عمل دؤوب ليل نهار ومسابقة للزمن لإيصال تبرعاتنا إلى مستحقيها ولملء ليالي الشهر الفضيل بما فيه النفع والفائدة.
بعض هذه المؤسسات يزيد عدد متطوعيها خلال الشهر الفضيل عن مئتي متطوع جلهم شباب وقطريون آثروا أن يكون رمضانهم فرصة للعطاء لا مساحة للكسل، الخبرة التي تكتسب من خلال التطوع في مثل هذه الفعاليات لا تعوض، خاصة أنه تضع الشباب في صراع مع الوقت ومواجهة مباشرة مع الجمهور والضيوف والمتبرعين والمستفيدين، كما أنها تصقل الشخصية فتعلم التواضع والهدوء في التعامل مع الآخر بشكل يحتاجه مجتمعنا المترف يشكل خلص.
التطوع ليس حالة استثنائية في قطر، تشير العديد الدراسات المسحية الصادرة عن جامعة قطر أن خمس الشباب القطري من الذين هم ما دون الخامسة والثلاثين سبق لهم التطوع في أنشطة مختلفة في سنوات إجراء الدراسات والتي تم تمفيذها على عينات وطنية شاملة بين ٢٠١٠ و ٢٠١٥. وتحتل جمعيات قطر وعيد وراف الصدارة في استقطاب المتطوعين القطريين حيث لا يقل عدد المتطوعين في كل منها عن مئتي متطوع فاعل خلال العام.
الفعاليات الرمضانية التي تقيمها هذه المؤسسات تطورت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة لاخاطب شرائح جديد وجماهير مختلفة عن جمهور المحاضرات التقليدية، هذه الفعاليات تشمل بالإضافة إلى المحاضرات معارض ومنتجات مرئية ومسموعة ومساهمات على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بالإضافة لفعاليات خاصة للأطفال على شكل مسابقات وغيرها، وفي كل عام تزداد هذه الأنشطة تنوعاً ويزداد الإقبال عليها كذلك.
وقد كتب أحدهم قبل فترة «يبارك» وقف مثل هذه الأنشطة باعتبارها تسهم في خلق شخصيات غير «متوازنة» وتسوق للتطرف، ولو كان لهذا وغيره دراية بطبيعة هذه الفعاليات وأثرها الإيجابي على المتطوعين والمستفيدين لما تجرأ على مقالته، وندعوه هو ومن يشاركه الرأي للحضور قبل الحكم والمشاركة قبل الانتقاد حتى يستبين كيف توفر هذه الفعاليات ومثيلاتها صمام أمان اجتماعي أمام الانحراف بشكليه الأخلاقي والفكري وميزان اعتدال أمام التطرف بشتى صوره، رمضان موسم يزدهر بالفعاليات الخيرية والدعوية لأنها الأنسب له والأنفع للمجتمع، وكل عام وأنتم أنشط.;