أحدث الأخبار
  • 10:06 . وكالة: الخليجيون سعوا لطمأنة إيران عن حيادهم في حربها مع "إسرائيل"... المزيد
  • 09:58 . "فلاي دبي" تعلن استئناف الرحلات مع "إسرائيل"... المزيد
  • 09:05 . "تدوير" تعلن بدء أول الاستثمارات الخارجية في غضون عامين... المزيد
  • 07:51 . في زيارة هي الثانية خلال شهرين.. رئيس الدولة يصل مصر... المزيد
  • 07:49 . النهضة التونسية: لا يوجد أي مناخ ديمقراطي في الانتخابات الرئاسية... المزيد
  • 06:41 . وفاة عضو من الحرس الثوري الإيراني أُصيب في غارة إسرائيلية بدمشق... المزيد
  • 12:02 . وزير خارجية لبنان: نصر الله وافق على وقف إطلاق النار المؤقت قبل أيام من اغتياله... المزيد
  • 12:01 . أمير قطر: ما يجري في غزة إبادة جماعية... المزيد
  • 11:24 . ارتفاع أسعار النفط مع تزايد الصراع في الشرق الأوسط... المزيد
  • 11:23 . 30 مليار درهم تمويلات البنوك للقطاعين التجاري والصناعي خلال النصف الأول... المزيد
  • 11:23 . "هيئة المعرفة" تعلن تفاصيل استراتيجية التعليم 33 في دبي... المزيد
  • 11:19 . ليل الفرنسي يسقط الريال بهدف وينهي سلسلة اللاهزيمة للملكي في أبطال أوروبا... المزيد
  • 11:03 . مندوب الاحتلال بالأمم المتحدة: ردنا على إيران سيكون محسوبا... المزيد
  • 11:00 . بينها الكيوي والبطيخ.. أفضل 10 فواكه لفقدان الوزن... المزيد
  • 10:56 . دول الخليج تحذر من تداعيات التصعيد وتدعو لوقف إطلاق النار بغزة ولبنان... المزيد
  • 10:49 . لبنان.. مقتل 46 شخصا وإصابة 85 الأربعاء جراء العدوان الإسرائيلي... المزيد

العالم العربي.. وتحدي الهوية الوطنية

الكـاتب : سالم سالمين النعيمي
تاريخ الخبر: 30-11--0001


أزمة الهوية الوطنية لسكان الوطن العربي تختلف في حدتها من دولة إلى أخرى، وبنسب وتأثير ونمو وتشابك متفاوت، حيث وصل في بعض الدول لمرحلة الأزمة مع أنها تعامل كعارض طارئ في تلك الدول أو أمر ممكن السيطرة عليه بيسر في حالة وجود الخطط والميزانيات، وهو أمر بعيد كل البعد عن الواقع والمتغيرات الحاصلة في العالم ويحتاج لدعم بحثي علمي معمق للوصول لشبه حلول، ناهيك عن الحلول الجذرية. ويبدو لي أنه حادث تلقائي نتيجة تطور المجتمع الإنساني وحتمي الحدوث، ولذلك يجب أن تكون نظرة تعاملنا للأزمة مختلفة عن التعامل مع الأزمة، ونتعامل معها كتحد بدلاً من أزمة بمفهوم إدارة العواقب والمخاطر بناء على معطيات التركيبة السكانية والمذهبية والتجنيس والهجرة والطبيعة والموقع الجغرافي وولادة المجتمعات الرقمية والعلوم الحديثة، والثورة التكنولوجية في الاتصالات والتواصل، وكل ما يتعلق بنمط الحياة العصري.

فالفرد والجماعة والأمة في بحث مستمر عن أرضية آمنة والتطابق مع النوع والعرق والجنس ممن تجمعهم بهم رابطة دم وقرابة وبقعة جغرافية واحدة وقواسم وقيم وأيديولوجيات ومذاهب دينية مشتركة تاريخية تشعرهم بالانتماء والأمان والفخر مما يرفع قيمة تقدير الذات بالمقام الأول وتشكل خط دفاع أول لكل إنسان ضد التخبط وضياع الانتماء والشعور بالحماية، وأن خلفه إرث يدفعه للحفاظ عليه وتعظيم موارده للانطلاق نحو آفاق جديدة تجعل من سيأتون بعده يشعرون بالفخر بانتمائهم لتلك الهوية مع أن كل شخص لديه هويات جماعية متعددة، من خلال الجنس، القرابة، الإقليم، والطبقة، التعليم، والمهنة، والمؤسسة، والدين والثقافة، والجنسية... إلخ والهوية ليس أكثر من صمام أمان نفسي للحاجة للانتماء والبقاء والشعور بالأمان والتقدير والحب مع المجموعة.

الهوية الوطنية ليست ثابتة، ولكن تتغير باستمرار وتقوم معظم الحضارات بإعادة ترميمها وتعريفها شعورياً أو لاشعورياً لتتعايش مع واقع معين أو هروباً من تهديد ما، أو للحصول على مكاسب تضمن بقاء النوع البشري على قيد الحياة. وحتى إنْ خسرت تلك الثقافات الكثير من مكوناتها، أو تم تغييرها جزئياً أو دمجها مع غيرها، فالهوية تتكيف دائماً لتحقيق التوازن المطلوب بين الماضي والحاضر أو الحلم أو الطموح المستقبلي، وتعاني التخلف أو صعوبة التقدم بوتيرة سريعة تلك الحضارات التي ترفض وتقاوم ذلك التكيف والتحور الذاتي في جينات الهوية الوطنية.

فالتفرد الثقافي، أو حتى التفرد في الهوية ليس بالضرورة مؤشراً على التطور والحداثة دون بعض البراجماتية والنزعة النفعية للتبادل الإيجابي للهوية مع باقي الهويات. وحصر هوية شعب بلغة واحدة وعرق واحد ومذهب واحد وثقافة واحدة وتقاليد وعادات سائدة، أصبح من إرث الماضي التليد. نحن نرفض مفهوم الثقافة الغربية، ولكننا نقبل الجوانب التقنية والعلمية للحداثة الغربية، وحالة نصف الحداثة هذه لا تصلح لاستدامة مشروع الحداثة الثقافية وارتباطها بالهوية الوطنية، ويجب أن نأخذ كل ما هو نافع من كل الثقافات والتخلي عن بعض معالم هويتنا، إذا كانت من أسباب تخلفنا عن ركب الحضارة الإنسانية.

والهوية العربية والهوية الإسلامية لايوجد أدنى شك في أنهما يعانيان أيما معاناة، وتجد عدداً كبيراً من العرب والمسلمين لا يربطهم بهويتهم العربية سوى الاسم والديانة وبعض العادات والتقاليد التي يحققون من خلالها سيطرة العنصر الذكوري، والنظام الطبقي والمذهبي على المجتمعات، ولذلك عندما تجلس مجموعة من المراهقين أو الأطفال في ردهة طعام في أي مركز تسوق في أي مدينة عربية كبرى تجدهم يتحدثون باللغة الإنجليزية أو الفرنسية ويستمعون للأغاني الأجنبية وتصرفاتهم وأسلوب حياتهم وتفاعلهم أقرب لنظرائهم في أي مكان في العالم الغربي، ونحن لا نزال نتحدث عن الهوية الوطنية وكأن ما يحدث أمام أعيننا ليس واقعاً، بل حلم عابر سيزول بعد ثوانٍ معدودة، فالكل يعمل وفق منظومة "انجز اليوم وفكر غداً".

والإعلام من جهة أخرى يعد أكبر آليات هدم وطمس للهوية الوطنية بعد أن تم تغريبه طوعاً، فأصبح التركيز على الظاهر، وأن يكون الإعلامي له وجه إعلامي سينمائي، ويقدم عملاً إعلامياً يجذب الجمهور بدلاً من عمل يحدث الفارق المطلوب في التنمية الاجتماعية، وله وجه يمثل ثقافته وهويته.

فمن عصر المثالية العربية والحلم القومي العربي إلى يومنا هذا، لا يزال المواطن العربي البسيط والخارج من دوائر منظومة النخبة الحاكمة والطبقات العليا، التي تليها وتتبادل المنفعة معها مواطناً من الدرجة الثانية في بلده، وبالتالي أصبح اختيار الهوية مسؤولية الفرد المجتمع والدولة، ولكن دون حقوق تذكر لتكامل المواطنة، وبالتالي الهوية.

والانقسام الحادث بين من يريد العودة إلى موارد ومكونات الأصالة المحلية وبين دعاة نماذج التنمية الحداثية، يجمع بين الرغبتين في صراع الهوية، وهذا لن يُحسم في أي وقت قريب.

ولهذا تواجه جميع المجتمعات العربية في اختيار الهوية تحدي تحول الانتماء الحضاري تحت ضغوط وموجات المهاجرين الإلكترونيين، وبالتوازي مع ذلك، ظهرت مؤامرة مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تهدف لتقويض العرب والمسلمين، وبدرجة ليس أقل عبثية من بروتوكولات حكماء صهيون، وسنسمع قريباً عن مخاوف من "سيسيونيتورك فوبيا" بدلاً من الإسلاموفوبيا. العالم الافتراضي يقدم مثالاً رائعاً في أغلب الحالات للتعايش، والإثراء الثقافي المتبادل والاحترام من العديد من المجموعات العرقية والدينية، وذلك رغم تفاقم موجات التطرف بين بعض أفراد نقابة الحضارة "السيبرانية"، ولكن حتى في هذا الخطب، تطغى النوايا النبيلة لفضح الأصوليين الدينيين وغير الدينيين المتطرفين.

ولا يزال العرب يعانون من جراء صعوبة استبدال مصطلح "شعب" بالمعنى المدني السياسي، وجعله مسألة عرقية ولك أن تقرأ كتابات العديد من أكبر مفكري ومثقفي الأمة العربية وتفسيرهم لمعنى الأمة والمواطنة، وجعلها سمة أو وظيفة لحفظ الذاكرة التاريخية. وترتبط أزمة الهوية ارتباطاً وثيقاً بالذاكرة التاريخية تلك، والناس في الشرق الأوسط والأدنى لديهم ذاكرة تاريخية قوية لها تأثير هائل على عقليتهم، وعلى علاقاتهم مع الآخرين والشعور بالكرامة والتفوق ولذلك أصبحت النسخة المتطرفة من الإسلام ملجأ للهوية، وكذلك الكرامة للكثير من المسلمين، وكأنها الملاذ الأخير لاحترامهم لذاتهم بالرغم من عولمة الاتصالات التي أعادت تجميع الناس إلى قبائل عالمية، وتدفق المعلومات وتبادلها الدائم خلال ثوانٍ معدودة، ومتاح للجميع مما يسهل انتقال الذاكرة التاريخية، التي بنيت على العصبية القبلية والقومية الإقصائية والانفصالية المذهبية والمصلحة السياسية والنخبوية الطبقية وأسطورة الرمز، وتسييس وتمييع معنى الوطنية.

فالمناطق الرمادية في الفكر العروبي أوسع من مجرد لغة مشتركة وتاريخ مشترك وقيم ثقافية مشتركة، ونمط واحد للعربي لتسويق مصطلح القومية العربية والحركة العروبية. ونحن نتحدث عن الشرق الأوسط مهد الحضارات والتنوع العرقي، فمتى سيكون لسكان الوطن العربي موقف لإعادة تقييم تصوراتهم عن أنفسهم وكذلك الكيفية التي ينظر بها الآخر لهم؟