كشف معهد شؤون الخليج في واشنطن أنَّ يوسف العتيبة، السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، دفَع مئات الآلاف من الدولارات لأحد الشهود الذي أدلى بشهادته في جلسة استماعٍ بالكونغرس حول العلاقات الأميركية-القطرية، الأربعاء 26 يوليو2017؛ مما يُثير الشكوك حول مصداقيته.
وذكرت وثائق مسرَّبة وصلت للمعهد، أنَّ مركز الأمن الأميركي الجديد، الذي يعمل به إيلان غولدنبرغ، الذي أدلى بشهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، قد حصل على 250 ألف دولار من سفارة الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لما ذكره موقع معهد شؤون الخليج في واشنطن.
ويتولى إيلان منصب مدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط بالمركز المذكور.
وكانت جلسة استماعٍ بعنوان "تقييم العلاقات الأميركية-القطرية"، قد عُقِدَت يوم الأربعاء 26 يوليو الجاري، بناءً على طلب نائبة الكونغرس إليانا روس ليتينن، رئيسة اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتُظهِر الوثائق عدداً كبيراً من الاتصالات التي أجراها غولدنبرغ، سواءٌ عبر الهاتف أو الرسائل الإلكترونية، مع العتيبة منذ الصيف الماضي؛ لطلب تمويل أنشطة مركز الأمن الأميركي الجديد، ورحلةٍ تضم غولدنبرغ وزملاءه إلى الإمارات العربية المتحدة.
كيف سُربت الرسائل؟
ووردت رسائل البريد الإلكتروني هذه من المجموعة المعروفة باسم "غلوبال ليكس"، وهي مجموعة تهدف إلى تمكين مبادرات الإبلاغ عن المخالفات بشكل آمن ومجهول، وتم تطويرها من قِبل منظمة غير حكومية -مقرها إيطاليا- تدعم حرية التعبير على الإنترنت، وقد أرسلتها المجموعة إلى معهد شؤون الخليج في واشنطن قبل بضعة أيام.
وتُظهر رسائل البريد الإلكتروني أيضاً سعي غولدنبرغ للدفع بتوقيع عقودٍ تجارية مع شركة لوكهيد مارتن الأميركية للصناعات العسكرية، بينما حاول الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأميركي الجديد، ميشيل فلورنوي، الضغط على العتيبة؛ كي تفوز شركة بولاريس الأميركية لصناعة المركبات بتوقيع عقدٍ مع الحكومة الإماراتية.
نظام التحكم في الصواريخ الوهمي
وكانت فاتورة شهر أغسطس لعام 2016 ممهورةً بتوقيع فلورنوي، وأُرسلت إلى العتيبة لطلب تمويل دراسة عن نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ بالإمارات العربية المتحدة.
والإمارات العربية المتحدة ليست طرفاً في نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ، حسبما ورد في تقرير معهد شؤون الخليج بواشنطن.
وكانت الدراسة قد قُدِّمت إلى العتيبة في شهر فبراير من العام الحالي، ووُزِّعَت على قياداتٍ بارزة في الإمارات العربية المتحدة، ومن بينها محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي ورجل الدولة القوي، حسبما أوضحت الرسائل الإلكترونية.
ولم يُجب مركز الأمن الأميركي الجديد عن أي أسئلةٍ طرحها عليه معهد شؤون الخليج في واشنطن، ولكنَّه أرسل نسخةً مكتوبة من الشهادة التي أدلى بها غولدنبرغ أمام اللجنة الفرعية، والتي شملت ملحوظة هامشية تحمل اعترافاً بتقاضي مبلغ قدره 250 ألف دولار.
وذكرت الشهادة أنَّ هذا المبلغ كان مستحقاتٍ خاصة بنظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ الذي نفذَّه مركز الأمن الأميركي الجديد وأداره غولدنبرغ.
لا نتلقى أموالاً أجنبية
أمَّا الشاهدان الآخران، فهما: جوناثان شانزر كبير نواب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وماثيو ليفيت من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
وفي أعقاب نشر هذه القصة، أرسل ليفيت بريداً إلكترونياً إلى معهد شؤون الخليج في واشنطن، قائلاً فيه: "للتوثيق: في ضوء سياسةٍ راسخة منذ أمدٍ بعيد، لا يقبل معهد واشنطن أي تمويل من مصادر أجنبية، سواءٌ الإمارات العربية المتحدة أو غيرها. وفي الواقع، لا نتلقى أموالاً أجنبيةً من أي شخص. انتهى البيان".
وتُظهر تقاريرٌ صحفية سابقة عن هذا الموضوع أنَّ العتيبة تبادل رسائل بريدٍ إلكتروني مع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بخصوص مؤتمرٍ لمدة يومٍ واحد نظَّمته المؤسسة في شهر مايو 2017 تحت عنوان "Qatar and the Muslim Brotherhood’s Global Affiliates: New U.S. Administration Considers New Policies"، أو "قطر والانتماءات العالمية لجماعة الإخوان المسلمين: الإدارة الأميركية الجديدة تُفكِّر في سياساتٍ جديدة".
وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني أنَّ هذا المؤتمر كان مدعوماً من السفارة الإماراتية، وهو ما اعتُبِرَ هجوماً مباشراً على دولة قطر، التي تخوض حالياً أزمة سياسية مع الإمارات العربية المتحدة.
ولم يردَّ كيث فيرنانديز، مدير الاتصالات في مكتب إليانا روس ليتينن، ولا أودرا ماك جورج مديرة الاتصالات في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية التي وردتهما للتعليق على هذا الموضوع.
وكذلك، لم ترد السفارتان القطرية والإماراتية لدى الولايات المتحدة على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية التي وردتهما طلباً للتعليق، حسب تقرير موقع شؤون الخليج.
أبحاثٌ لصالح من يدفع أكثر؟
ويقول تقرير المعهد: "بينما صار تمويل الحكومات الاستبدادية للمراكز البحثية الأميركية أمراً شائعاً ومعروفاً، غير أنَّ هذه القضية على وجه التحديد تثير مسائل قانونية وأخلاقية بالنسبة للجان الكونغرس التي تعتمد على شهودٍ يتلقون تمويلاً أجنبياً يعرض مصداقيتهم للتشكيك، فضلاً عن أنَّها تُسلِّط الضوء على كيفية تأثير الأموال الأجنبية على القادة المسؤولين عن السياسة الخارجية في الجهات التنفيذية والتشريعية. وهو ما يُبيِّن كيفية الاستفادة من المراكز البحثية لممارسة ضغطٍ ناعم على الحكومة وتوجيه دفتها لمصلحة إحدى الدول، أو ضد دولةٍ أخرى.
فهناك صلةٌ مباشرة بين الأموال الأجنبية التي تحصل عليها المراكز البحثية الأميركية وتحليلاتها واستنتاجاتها".
ويقول ماكس أبراهامز، وهو أستاذٌ مساعد في قسم العلوم السياسية بجامعة نورث إيسترن: "إنَّهم (يقصد المراكز) مستعدون للتنازل عن ولاءاتهم".