قالت مجلة ناشينال أنترست الأمريكية، إن معركة الحديدة في اليمن لم تعد قضية يمنية، وأنها محاولة من التحالف السعودي الأماراتي لتحسين وضعهم الميداني والتفاوضي بعد ثلاث سنوات من التقديم البطيء لإستعادة الأجزاء الواسعة من البلاد التي سيطرت عليها جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً، بحسب ترجمة "الخليج أونلاين".
وأضافت المجلة في تقرير موسع لها، أن القوات الإماراتية والسعودية بدأت معركة للسيطرة على المدينة البحرية، التي تمتلك أكبر ميناء بحري يغذي غالبية اليمن بالمواد الغذائية والإغاثية، إذ تسيطر جماعة الحوثي على الميناء والمدينة منذ العام 2014.
وحذرت منظمات إغاثية محلية ودولية من أن المعركة قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع الرهيبة والمأساوية في أفقر بلد في المنطقة، وأشارت المجلة إلى أن تلك المعركة هي جزء من أهداف أخرى لدى التحالف السعودي الإماراتي.
وتقول "ناشينال أنترست": "المعركة هي محاولة لتحسين المواقف الميدانية السعودية والإماراتية قبل المفاوضات المستقبلية، خاصة وأن مبعوث الأمم المتحدة الجديد مارتن غريفيث، يقوم حالياً بتسويق خطة سلام لإنهاء أزمة الحرب في اليمن، حيث تقترح الخطة وقف إطلاق النار وتسليم جماعة الحوثي أسلحتها من الصواريخ المتوسطة وبعيدة المدى، وأيضاً تشكيل حكومة إنتقالية برئاسة رئيس وزراء متفق عليه بصورة متبادلة وإشراك جميع الفصائل السياسية، ومع ذلك يبدو أن الخطة تؤجل بسبب قضايا مثل التغييرات الدستورية والترتيبات الانتخابية والمصالحة".
وبحسب المجلة، لقد برزت الحديدة كنقطة محورية في مناورة التحالف بقيادة السعودية لتقوية يدها في مواجهة جماعة الحوثي، وبالتالي تمهيد الطريق لتحقيق نصراً في اليمن، حيث تعتبر الحديدة مركزاً مهماً للحوثيين وتقع على بعد مائتين وثلاثين كيلو متراً غرب العاصمة صنعاء.
وتتهم السعودية، الحوثيين، بإستخدام الحديدة لتعريب الصواريخ لمهاجمة ممرات الملاحة الدولية والأراضي السعودية.
وتتابع المجلة، أن السيطرة على الحديدة سيؤثر بشكل أكبر على الوضع العسكري الشامل، خاصة فيما يتعلق بالنقاط الإستراتيجية الهامة مثل صنعاء وتعز وسط البلاد، ومعقل الحوثي في الشمال.
من ناحية أخرى قد يكون للسيطرة على الحديدة بعض الآثار على السعودية والإمارات، فهي ستكون المسؤولة بشكل كامل عن توزيع كميات هائلة من المساعدات تصل إلى نحو 8 ملايين نسمة، وعدم القيام بهذه المهمة سيعرضهم للمجاعة، كما أن السيطرة على الحديدة لن تجعل السعودية والإمارات يعودون لإتهام الحوثيين بالتسبب مجاعة وأزمة إنسانية في البلاد بسبب سوء إدارتهم لتلك المساعدات.
المبعوث الأممي، قال إن معركة الحديدة ستعرقل المفاوضات حتى قبل أن تبدأ، مقترحاً على الحوثيين ترك الميناء لإدارة أممية، وهي فكرة ترى فيها جماعة الحوثي إنه تستحق النقاش، ولكن إندلاع المعركة في الحديدة دفعت بالحوثيين إلى تجاهل مثل هذا المقترح.
وبغض النظر عن التطورات الميدانية في الحديدة، فإن ما تريده السعودية والإمارات من اليمن ومعركة الحديدة بشكل خاص، مازال غامضاً، فليس هناك حتى الآن موقف واضح من الحكومة اليمنية التي يترأسها عبد ربه منصور هادي، الذي يُقال إنه يخضع للإقامة الجبرية في الرياض، حيث يُقيم هناك بعد خروجه من اليمن.
بل إن بعض الأنباء المتواترة ترى أن هادي أُجبر على دخول معركة الحديدة وإعلان تأييده لها، وسط أنباء أخرى تشير إلى أن هناك مساع سعودية إماراتية لإزاحة هادي من منصبه وأن البديل له سيكون أحمد، ابن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي قتله الحوثيون، بحسب المجلة.
وتقول المجلة الأمريكية، إن أحمد صالح، الذي كان أيضاً قائداً للحرس الجمهوري، ولاحقاً سفيراً لليمن في الإمارات، أخذ على عاتقه مهمة الإنتقام منذ أن قتل والده من قبل الحوثيين، الذين اغتالوه في ديسمبر الماضي، لتتطور العلاقة بعد ذلك مع الإمارات وخاصة مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
وحتى يتم القبول بأحمد كبديل مناسب لهادي، حيث يثق به السعوديون والإماراتيون، فإنه بحاجة إلى رفع العقوبات الدولية عنه، فأحمد مشمول بقائمة عقوبات دولية وأمريكية بسبب تحالفه مع الحوثيين ضد الحكومة الشرعية، ومن المفارقات أن حكومة هادي تقدمت في مارس الماضي، للأمم المتحدة بطلب لرفع العقوبات عن أحمد، وفق ما ذكرت "ناشينال أنترست".
ولكن يبدو أن هذا السيناريو معقد بسبب علاقة الإمارات بالمجلس الإنتقالي الجنوبي، الذي يعمل على الإنفصال عن الجمهورية اليمنية.
فمنذ العام 2015 استعادت القوات الإماراتية مدينة عدن الجنوبية من الحوثيين، ولم تبد الإمارات الكثير من القلق على التناقض الواضح بين عملها داخل الائتلاف مع السعودية، وبين دعمها للإنفصال الجنوبي، وهو عكس تطلعات السعودية التي ترفض الإنفصال، بحسب المجلة.
وتتابع المجلة بالقول، إن التطورات الأخرى في اليمن جعلت من هذا البلد نقطة محورية في المخطط الإقليمي الرئيسي، الذي يستفيد منه كل من السعودية والإمارات، وخاصة أبوظبي التي أرسلت في شهر مايو الماضي قوات عسكرية لإحتلال جزيرة سقطرى اليمنية عند مدخل خليج عدن دون علم الحكومة الشرعية، وهو ما دفع حكومة هادي إلى الإعتراض وطلب السعودية للتدخل بشكل مباشر قبل أن تنتهي القضية بالإنسحاب الأماراتي ويختفي بعدها النقاش حول سقطرى.
وتشير المجلة الامريكية، بالقول: "لقد وسَّعت الإمارات من علاقاتها التجارية والعسكرية إلى مناطق جديدة وهي أرض الصومال وجيبوتي وإرتيريا، وهو جزء من خطة إماراتية للسيطرة على ممر قناة السويس والمحيط الهندي الحيوي المتمركز حول باب المندب المائي في اليمن، غير أن هذه الخطة فشلت في الصومال وجيبوتي أيضاً".
مقابل ذلك زادت الإمارات من زخمها الهجومي في اليمن، لتعويض خسائرها في الصومال وجيبوتي، وهو ما يمكن أن يعقد من مهمة المبعوث الأممي، خاصة إذا تمكنت تلك القوات فعلا من السيطرة على الحديدة والميناء، بحسب المجلة الأمريكية.
لقد أثارت معركة الحديدة مخاوف واشنطن في البداية، رغم أن إدارة ترامب كانت حريصة على عدم إغضاب السعوديين وإلامارتيين، غير أنها بعد ذلك غضت الطرف وتعاملت مع المعركة بفتور، مما مثل ضوء أخضر للإمارات والسعودية لبدء الهجوم، وفق ما تقول مجلة "ناشينال أنترست".