سرعان ما ينطفئ فتيل المواجهة في قطاع غزة بعيد اشتعاله بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، فمن حين إلى آخر تندلع جولة من التصعيد بين المقاومة والاحتلال.
عادة ما يبدأ الاحتلال جولة التصعيد بقصفٍ لمجموعة من المواقع في القطاع، فتقوم المقاومة بالرد على مواقع ومستوطنات الاحتلال المحيطة بالقطاع.
هناك محاذير وقواعد لم يكن يتجاوزها الطرفان في معرض القصف المتبادل خلال الفترة الماضية، وهي تلك المتعلقة بعدم إيقاع خسائر في الأرواح، فتكون ضربات الاحتلال الجوية غالباً عبارة عن رسائل وقصف مواقع فارغة للمقاومة، أو ما يُعتقد بأنه مراصد ونقاط لها.
من ناحية أخرى، يحصد الاحتلال أرواح الأبرياء على الأرض برصاص قناصته المنتشرين على الحدود، وحاول أيضاً كسر قواعد القصف قبل أسابيع حين قصف عناصر للمقاومة وقتل عدداً منهم على مدار يومين، الأمر الذي دفع المقاومة إلى تصعيد ردّها وتراجع الاحتلال مجدداً.
جرت العادة أن تقوم المقاومة بقصف الاحتلال بالطريقة ذاتها وترد عليه بمستوى القصف نفسه تقريباً، حتى لا تتدحرج الأمور إلى مواجهة كبيرة وشاملة يتهيب منها الطرفان، ويبدو كل طرف بأنه في غنى عنها وإن كان يعزف الاحتلال أوتارها من حينٍ إلى آخر.
أسباب التوتر بين غزة والاحتلال أكثر من دوافع الهدوء، فالوضع الإنساني بالغ الحرج في قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 12 عاماً، والذي اشتد كثيراً خلال الشهور الأخيرة نتيجة العقوبات، ودخل منعطفاً خطيراً قبل أيام نتيجة إغلاق الاحتلال معبر البضائع الوحيد في القطاع.
لمواجهة ذلك، جرى توافق شعبي وفصائلي داخل القطاع منذ شهور لتوحيد الجهود من أجل المشاركة في فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار، وكان يُرى في الحراك بوابة جيدة لحل الأزمات ومواجهة الحصار والمشاريع التصفوية التي تتعرض لها القضية.
إلا أن النتائج لم تكن سريعة كما كان يطمح المشاركون والقائمون على الفعاليات، ومع تضاعف أعداد المصابين والشهداء نتيجة قمع الاحتلال الوحشي للمظاهرات وضعف الضغوط الدولية عليه وتماديه في عدوانه، في ظل أزمة حادة في الأدوية والمعدات والخدمات الطبية نتيجة الحصار والعقوبات، انخفض إقبال الناس نحو الفعاليات.
لم تكن المظاهرات هي الأداة الوحيدة الضاغطة على الاحتلال في الحراك، بل ظهر خلالها أسلوب نضالي جديد توجّه الناس فيه إلى إحراق الحقول والمواقع والمستوطنات التي تخضع لسيطرة الاحتلال في محيط قطاع غزة بواسطة طائرات ورقية وبلالين حارقة.
الحرائق مستمرة منذ أشهر، وقلق الصهاينة في محيط غزة مستمر فهم يفقدون الأمن والاستقرار، وهي معادلة رسّخها الشبان الثائرون في غزة والذين يعلنون من حين إلى آخر أن نضالهم لن يتوقف ما دام الحصار والعدوان مستمرين.
وبدلاً من أن يوقف الاحتلال حصاره وعدوانه، يتّجه إلى المزيد من العدوان تجاه قطاع غزة ويغلق المعابر لدفع الفلسطينيين إلى الخضوع، إلا أن هذه السياسة فشلت كثيراً في السابق، فقد شنّ الاحتلال عدة حروب على القطاع لردعه؛ لكنه ما زال يقاوم حتى اليوم ولا يبدو أنه سيتوقف حتى يرتفع ظلم الاحتلال وعدوانه.
الرأي العام الصهيوني يرى بنظرة متعالية أن ردّ المقاومة على قصف الاحتلال واستمرار الشبان في إطلاق الطائرات الورقية والبلالين الحارقة هو تآكل لما يُسمى حالة الردع، دون التفكير في رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهي معادلة إن استمرت دون تدخّل فاعل من وساطات دولية حقيقية ومؤثرة، ستفضي إلى نتائج صعبة على الجميع.
الاحتلال زاد من خطواته التصعيدية أمس الأول، حين قصف متنزه ساحة الكتيبة غرب مدينة غزة وقتل اثنين من الأطفال داخله وأصاب عدداً آخر. ورغم الحديث المتفاوت عن تهدئة أو وقف لإطلاق النار، تبقى مسببات التصعيد أقوى من رغبات الهدوء.