أحدث الأخبار
  • 10:12 . الإمارات: البعثة الأممية إلى الفاشر خطوة هامة لاستعادة وصول المساعدات... المزيد
  • 08:25 . الأرصاد يتوقع أمطاراً لمدة ثلاثة أيام على المناطق الشمالية والشرقية... المزيد
  • 07:47 . منخفض جوي ثالث يهدد بمفاقمة معاناة النازحين في غزة... المزيد
  • 12:44 . وزير الدفاع السعودي يدعو الانتقالي للانسحاب من حضرموت والمهرة و"تغليب الحكمة"... المزيد
  • 12:32 . بالتوازي مع جهود التحالف لخفض التصعيد باليمن.. قرقاش: الحوار أساس تجاوز "المرحلة الحرجة"... المزيد
  • 12:30 . الإمارات تستنكر استهداف مسجد أثناء صلاة الجمعة في مدينة حمص السورية... المزيد
  • 12:28 . الحكومة الصومالية: دولتنا واحدة والاعتراف الصهيوني باطل... المزيد
  • 12:12 . متحدث التحالف: إجراءات حازمة لمواجهة أي تصعيد عسكري يهدد استقرار اليمن... المزيد
  • 11:45 . رئيس الدولة يبحث مع ورئيس وزراء باكستان التعاون الاقتصادي والتنموي... المزيد
  • 01:34 . قتلى وجرحى في اشتباكات عنيفة بين القبائل وقوات مدعومة من أبوظبي شرقي اليمن... المزيد
  • 12:37 . ترامب يعلن توجيه ضربة عسكرية لتنظيم الدولة في نيجيريا... المزيد
  • 11:54 . صدور مرسوم بقانون اتحادي لتعزيز السلامة الرقمية للطفل... المزيد
  • 11:36 . تأييد خليجي وعربي لموقف السعودية الرافض للتصعيد في اليمن... المزيد
  • 11:32 . بعد زيارة السعودية ومصر.. البرهان يبحث في أنقرة تعزيز العلاقات والمستجدات الإقليمية والدولية... المزيد
  • 11:32 . بيان إماراتي يرحّب بجهود السعودية في اليمن دون التطرق لتصعيد الانتقالي في حضرموت والمهرة... المزيد
  • 11:31 . الداخلية السورية تدعو المنشقين الراغبين بالعودة للخدمة إلى مراجعتها... المزيد

أيديولوجية إزاحة السياسة

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 03-08-2019

أيديولوجية إزاحة السياسة | القدس العربي

منذ أربعة عقود تقريبا شهد العالم بداية مسلسل التساقط المذهل للأيديولوجيات الشاملة الكبرى التي كانت تؤمن بأن العمل السياسي، سواء على مستوى مؤسسات نظام الحكم المختلفة، أو على مستوى النضال الجماهيري المدني المنظم وغير المنظم، هو الطريق الأسلم والأجدى لمواجهة جميع مشاكل المجتمعات، وتغييرها نحو التقدم والتنمية والتحضر الإنساني.
كان ذلك العمل السياسي سيشمل وجود الدساتير والقوانين العادلة، وبرلمانات منتخبة بنزاهة، وحكومات خاضعة للمحاسبة، وحريات عامة، ومؤسسات سياسية ونقابية وأهلية مستقلة ومشاركة في الحياة العامة. وكان ذلك العمل السياسي، ستحكمه القيم الإنسانية الكبرى والمبادئ الأخلاقية السامية، وفي مقدمتها عدالة توزيع الثروة المادية والمعنوية بإنصاف وتعاضد ووجود مساواة في الفرص الحياتية.

اليوم، وكجزء من الأيديولوجية النيوليبرالية الرأسمالية العولمية، تسعى مؤسسات وشركات ونخب المال والاقتصاد، إلى إقناع العالم كله بأن الطريق لمواجهة وحل مشاكل المجتمعات، يبدأ من قيم السوق واستعمال الأساليب التي تحكمه وتنظمه، وليس من خلال العمل السياسي ذاك. القادرون على حل مشاكل الفقر وتراجع خدمات التعليم والصحة والضمانات الاجتماعية المختلفة، وازدياد الفجوة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع، وتقلص فرص العمل والعمالة المستقرة ومشاكل البيئة المعقدة، القادرون على حل كل ذلك هم رجال الأعمال الأغنياء، الذين نجحوا وأبدعوا وغامروا، وهم شركات الاستشارات المالـــية والإدارية، وهم مؤسسات البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية. هؤلاء لن يستعملوا أنظمة وأساليب السياسة، المتهمة بأنها هي التي ساهمت في وجود المشاكل المجتمعية، وإنما سيستعملون أنظمة وأساليب وقيم السوق المختلفة، والعمل التطوعي من قبل أصحاب الثروات والوجاهة.
يسأل الإنسان، وكيف سيتم ذلك؟

 والجواب: عتاة وقادة الرأسمالية أولئك سيقومون بمساعدة المحتاجين والضعفاء، بأشكال مختلفة وسيساهمون في حل مشاكل المجتمعات وقيادتها نحو الأفضل، ولكن بشرطين: أن يحصلوا على جزء من أرباح وخيرات تلك العمليات، وأن لا تمسُ مصالحهم وامتيازاتهم وثرواتهم بأي شكل من الأشكال، بما فيها عدم زيادة الضرائب.
نحن هنا أمام عمل خيري نفعي انتهازي، أصرف جزءا من ثروتي لمساعدة الآخرين، أو حل بعض المشاكل المجتمعية أو البيئية، وآخذ مقابلا أكبر يزيد من ثروتي من جهة، ويجعلني وشركاتي وشركائي مالكين للنفوذ والسلطة، بحيث تكون لنا كلمة مسموعة في تقرير نوع مسارات المجتمعات ونوع الأنظمة التي ستحكم تلك المجتمعات.

 شعار هؤلاء واضح: ساهموا في التغييرات السطحية التي في الواقع لا تغير الأعماق وتبقي التوازنات الحالية التي تحكم المجتمعات، كما هي، وبدون أي تغيير حقيقي يذكر، وحتى تلك التغييرات السطحية يجب أن تتم بأساليب صديقة للسوق، أي للنظام الرأسمالي الحالي المتوحش، ولا تخضعه للمساءلة أو التقنين أو الانضباط القيمي الأخلاقي.

 المشكلة الكارثية هي أن هذه الأيديولوجية الجديدة، أيديولوجية» تربح ـ أربح «، أيديولوجية معالجة أعراض الأمراض الاجتماعية بدون إزالة أسبابها وإزاحة مسببيها الجشعين الفاسدين المتسلطين، أيديولوجية الثقة العمياء في قدرات الأغنياء والمؤسسات الخاضعة لنفوذهم، هذه الأيديولوجية في صعود وانتشار عبر العالم كله، سواء من قبل الكثير من المسؤولين القادة السياسيين، أو من قبل الكثير من مؤسسات المجتمع المدني، ولها كتبتها وإعلاميوها ومنظروها الداعمون لها.
الكثير من هؤلاء فقدوا الثقة في المؤسسات والقيادات السياسية الكلاسيكية، وبدلا من النضال الدائم من أجل إصلاح تلك المؤسسات واستبدالها بمؤسسات ديمقراطية حقيقية شعبية، فضل هؤلاء عيش اللامبالاة وقبول ما يفرضه الواقع الظالم. وهكذا يريدون إقناع العالم بقبول حكم وقيادة الثعلب في حراسة وتسيير أمور الدجاج.
ما يهمنُا، نحن الشعوب العربية، الرازحة تحت مظالم سياسية واقتصادية واجتماعية لا حصر لها ولاعد، هو اقتناع الكثير من حكوماتنا وبرلماناتنا وأحزابنا ونقاباتنا بهذه الأيديولوجية الانتهازية، واستعمال الكثير من رجالاتها وشركاتها الاستشارية في وضع الحلول لأمراض مجتمعاتنا.
أنظر حولك، عبر الوطن العربي كله، وسترى تواجد خبراء تلك المدرسة الأيديولوجية وشركاتها الاستشارية وبنوكها الدولية في ساحات الاقتصاد والاستثمار والتعليم والصحة والبيئة والأمن، وبناء البنية التحتية وغيرها، يقدمون الحلول التي يدعون بأنها ستكون نافعة، بينما أنها تبقي الأمور كما هي ولا تغير الأعماق ولا تزيح المتسببين. هذا بالضبط ما يريده المتسلطون الفاسدون الناهبون في أرض العرب للإبقاء على امتيازاتهم غير المستحقة.