أحدث الأخبار
  • 11:29 . الذهب يواصل المكاسب مع احتدام الحرب الروسية الأوكرانية... المزيد
  • 11:01 . أنجيلا ميركل: سعيتُ لإبطاء انضمام أوكرانيا للناتو بسبب مخاوف من رد روسي... المزيد
  • 10:54 . منافسات جائزة زايد الكبرى لسباقات الهجن 2024 تنطلق الإثنين المقبل... المزيد
  • 10:45 . النفط يصعد وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية... المزيد
  • 10:38 . عاصفة مميتة تضرب شمال غرب أمريكا وتحرم مئات الألوف من الكهرباء... المزيد
  • 10:30 . دبلوماسي سوداني: مجلس الأمن تلقى تقريراً سرياً عن دعم أبوظبي لقوات الدعم السريع... المزيد
  • 10:20 . مجلس الشيوخ يعيق محاولة وقف مبيعات أسلحة للاحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 10:13 . وزير يمني سابق يتحدث عن وصول طائرات عسكرية من الإمارات إلى شبوة... المزيد
  • 01:03 . الإمارات تأسف للفيتو الأمريكي ضد قرار وقف الحرب على غزة... المزيد
  • 12:10 . الموارد البشرية: ضبط 1934 منشأة خاصة تحايلت على "مستهدفات التوطين"... المزيد
  • 09:48 . الأردن تسجن النائب السابق "عماد العدوان" 10 سنوات بتهمة تهريب أسلحة إلى فلسطين... المزيد
  • 09:35 . ترامب يختار مسؤولة مصارعة سابقة وزيرةً للتعليم... المزيد
  • 09:21 . رئيس الدولة وملك الأردن يبحثان المستجدات في غزة ولبنان... المزيد
  • 09:15 . فيتو أمريكي في مجلس الأمن على مشروع قرار يطلب وقف النار في غزة... المزيد
  • 08:07 . محكمة باكستانية تطلق سراح عمران خان بكفالة في "قضية الفساد"... المزيد
  • 08:05 . مريم البلوشي وأمينة العبدولي.. تسع سنوات خلف قضبان أبوظبي... المزيد

"وثيقة 4 يناير" و"مجلس دبي".. متطلبات حوكمة إدارية أم شرعنة تحكم جهاز الأمن؟!

خاص – الإمارات 71
تاريخ الخبر: 20-01-2020

أعلنت حكومة إمارة دبي في الرابع من يناير الجاري ما أسمته "وثيقة 4 يناير"، تضمنت تشكيل "مجلس دبي" الذي سيدير الإمارة وسيحكمها وسيقودها طوال الفترة القادمة. الوثيقة وإن كانت نتائجها وتطبيقاتها وتداعياتها سياسية بدرجة أساسية إلا أنها خرجت بغلاف إداري تنظيمي وهيكلي. فدبي، ذات الاهتمامات الإدارية والقيادية أرست في السابق، ونجحت، نموذجا مختلفا من الإدارة العامة. فهل تشكل هذه الوثيقة نقلة نوعية في الإدارة أم ردة عنها، وهل تعزز التفويض بالفعل، أم تعمق المركزية كما هو الحال في أبوظبي، هل تعتبر الوثيقة "ثورة" في الفكر الإداري أم "ثورة مضادة" عليه، وإلى أي مدى تختلف مع توجهات سمو الشيخ محمد بن راشد الإدارية والقيادية؟!

ما هو منهج دبي في الإدارة والقيادة قبل هذه الوثيقة؟

أفضل من يعبر عن هذا المنهج، هو حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، صانع نهضة دبي في نسختها الأكثر حداثة وتطورا. في عام 2006 أصدر كتاب "رؤيتي"، الذي تضمن شرحا معمقا ومستفيضا حول منهجه الإداري ونظريته القيادية التي أكد أنها سبب ما هي عليه دبي من تقدم وازدهار.

ومن أبرز ما قاله:" هناك طريقة بسيطة لخروج الإداري والقيادي من مأزق جمع كل خيوط الإدارة بيده، هي "تفويض الصلاحيات". وتابع:" التفويض لا يعني التخلي عن الصلاحيات أو فقدان السيطرة على العمل.. إنها طريقة أساسية لتمكينهم من تخصيص وقت أكبر للتطوير والإبداع ورفع الإنتاجية وتطوير القيادات وبناء الصفوف الثانية والثالثة من القيادات".

وأسهب قائلا: على القائد أن يعرف لمن يفوض، فالتفويض لا يعني إعفاء القائد من مسؤولية الأخطاء التي يرتكبها المفوض إليه..". "لا بد من منح الصلاحيات وتفويض المسؤوليات فهذا طريق صنع القيادات الجديدة".

أما في كتابه "قصتي"، فأورد الشيخ محمد بن راشد كيف أن حصر السلطة في يد قليل من الناس يفجر بينهم الصراعات، وفق ما يستفاد من قصته مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، عندما طلب من محمد بن راشد أن يستنسخ في ليبيا تجربة دبي، فكان أبرز عائق طبقة الممسكين بالسلطة الفاسدين والمتصارعين فيما بينهم، نظرا لتشكل المحاور ومراكز الثقل المتضاربة والمتناحرة.

فأينما تقرأ تجربة حاكم دبي، أو تقلبها تجد أنها تختلف تماما عن وثيقة 4 يناير، فكيف ذلك؟!

ما هي وثيقة 4 يناير وما هي أبرز مضامينها؟

 وثيقة 4 يناير هي وثيقة خاصة بإمارة دبي أصدرتها حكومة دبي في 4 يناير الجاري. تضمنت تشكيل "مجلس دبي"، رغم وجود كيان "المجلس التنفيذي" للإمارة الذي يمثل السلطة التنفيذية فيها.

الوثيقة قالت في أحد بنودها: "يبقى المجلس التنفيذي لإمارة دبي مسؤولاً عن متابعة تنفيذ الاستراتيجيات، وإدارة الأداء في الحكومة وتحقيق الجودة في الخدمات وتطوير عمل كافة المؤسسات". وهذه المهام هي نفس مهام "مجلس دبي أيضا. ومع ذلك لم توضح الوثيقة العلاقة بين المجلسين، ومن يتسيد من، وكيف ستكون خطوط السلطة في الإمارة.

وبحسب الوثيقة، فإن "وظيفة مجلس دبي هو قيادة التحول في الإمارة والإشراف على حوكمة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في الإمارة"، و"رسم رؤية الخمسين عاماً القادمة للإمارة، رؤية يشرف على تكوينها قادة المستقبل حمدان بن محمد ومكتوم بن محمد"، و"يشرف على إطلاق المشاريع الكبرى في الإمارة، ويعمل على فتح قطاعات تنموية جديدة، واستشراف فرص دبي المستقبلية العالمية، والإشراف على حوكمة الشركات الحكومية وشبه الحكومية".

ولا بد من الإشارة، هنا، أن الشيخ محمد بن راشد إنما يعلي شأن جيل الشباب في الإمارة، ويفسح المجال واسعا أمام دماء جديدة دون أن يترجل من موقع المسؤولية الوطنية والإدارية.

وضم المجلس عددا من كبار المسؤولين بالإضافة إلى الشيخ حمدان بن محمد ولي عهد دبي، ومكتوم بن محمد، مثل  محمد عبد الله القرقاوي واللواء طلال حميد بالهول رئيس جهاز أمن الدولة في دبي، في حين أن القرقاوي مثل نظيره في أبوظبي سلطان الجابر، ويسيطر كل منهما على عدد من الملفات الحيوية في الإماراتين.

كيف ألغت الوثيقة التفويض وركزت السلطة بيد مسؤولين بدبي؟

وفق نص الوثيقة: "يتبع لكل واحد من أصحاب المعالي (في مجلس دبي) مجموعة من الهيئات والدوائر ". فالشيخ أحمد بن سعيد، "تتبعه الدائرة الاقتصادية بدبي ودائرة السياحة والمناطق الحرة بالإمارة ومؤسسات المطارات والموانئ والجمارك".

ومطر محمد الطاير، بالإضافة لمهامه الحالية، يتولى "مسار البنية التحتية والتخطيط العمراني وجودة الحياة بالإمارة وتتبعه بلدية دبي ومؤسسة محمد بن راشد للإسكان ودائرة الأراضي والأملاك".

واللواء طلال بالهول، بالإضافة إلى مهامه الحالية، (مدير جهاز أمن الدولة في دبي)،  يمسك زمام "الأمن والعدل وتتبعه محاكم دبي والدفاع المدني ومؤسسة دبي لخدمات الإسعاف".

وعبد الله محمد البسطي يدير "مسار التطوير الحكومي، بالإضافة لمهامه الحالية، وتتبعه دائرة الموارد البشرية ومركز الإحصاء ودائرة حكومة دبي الذكية".

وسعيد محمد الطاير بالإضافة إلى مهامه الحالية يتولى "مسار الصحة والمعرفة وتتبعه هيئة الصحة بدبي وهيئة المعرفة والتنمية البشرية".

 واللواء عبد الله خليفة المري وهو القائد العام لشرطة دبي، وعليه تولي "مسار خدمات المواطنين بالإضافة لمهامه الحالية وتتبعه هيئة تنمية المجتمع ودائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري".

وأضافت الوثيقة: "ويحق للمجلس إضافة مسارات جديدة وإضافة وحذف دوائر جديدة لأي من المسارات الستة"، على حد تعبيرها.

وإلى جانب تسيد قيادات الشرطة والأمن، فإن أكثر ما أثار الجدل حول الوثيقة، هو إمساك ستة  مسؤولين فقط حكم دبي وإدارتها، وإمساكهم ملفات مهمة جدا لمستقبل دبي وواقعها. إلى جانب أن بعض المسؤولين لا علاقة لهم بين مهامهم الجديدة وبين أعمالهم الحالية، مثل قائد شرطة دبي عندما يشرف على العمل الخيري!

ما هي الآراء الداعمة للوثيقة وللمجلس؟

بطبيعة الحال، أيد الإعلام الرسمي لحكومة دبي وإعلاميوها الوثيقة والمجلس دون أدنى تمحيص ودون ملاحظة أنها تخالف ما دأبت عليه الإمارة طوال العقود الماضية، وأنها تقترب من نموذج أبوظبي التي حصرت السلطة والإدارة فيها بعدد محدود أيضا من المسؤولين.

 الكاتبة منى أبو سمرة في صحيفة "البيان"، قالت: "جوهر الوثيقة يؤكد أن دبي مقبلة على تحول في نظم الإدارة يقود ستة مسارات استراتيجية للنمو، ويضمن حوكمة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، وضمان تنافسيتها الدولية وريادتها الاقتصادية وجاذبيتها كأفضل المدن العالمية للحياة"، على حد قولها المستند تماما إلى نصوص من الوثيقة دون أن تشرح للرأي العام، كيف سيتم تحقيق ذلك.

أما الكاتب أحمد الشيخ، فقال في "البيان" أيضا: تؤكد الوثيقة "أهمية اعتماد منظومة حوكمة متكاملة"،  و"ضمن هذا الإطار تم اعتماد الخطوط العريضة لنظام الحوكمة الجديد التي تتلخص في تشكيلِ مجالس إدارة ولجان لتقييم الاستثمارات وإدارة المخاطر، بالإضافة إلى منع الرئيس التنفيذي من تولي رئاسة مجلس الإدارة للشركات الحكومية وشبه الحكومية".

 ما هي الانتقادات الموجهة إلى الوثيقة؟

إلى جانب أن الوثيقة تعتبر نهجا مختلفا عما عرفته دبي طوال تاريخها، فقد أثار تكليف طلال بالهول إدارة قطاع القضاء والمحاكم الكثير من اللغط و الجدل حول تدخل جهاز أمن دبي في استقلالية القضاء وحياديته.

وقد استدرك ناشطون ربط المحاكم والقضاء في إمارة دبي بشخص اللواء بالهول، لما لهذا التعيين من تداخل يمس بصورة جوهرية باستقلال القضاء ونزاهة المحاكم ويضعها تحت تصرف جهاز الأمن، ويجعل النيابة تأتمر بأمر الجهاز أيضا.

وعطفاً على ذلك، اعتبر الناشط الحقوقي البارز، حمد الشامسي، في سلسلة تغريدات على حسابه بـ"تويتر"، هذا التكليف اللواء خطوة للوراء،  كون "القضاء سلطة مستقلة موازية لسلطة المجلس وتكليف مدير جهاز أمن دبي للإشراف عليه يتنافى مع استقلاليته، وخاصة أن جهاز الأمن هو المسؤول عن تقديم المشتبه بهم للعدالة، فيكون بذلك طرفا في قضايا أمام محاكم يشرف عليها"، وفق الشامسي.

وأكد الناشط الشبابي: "أمن الدولة طرف في كثير من القضايا التي تنظر فيها محاكم دبي وليس من الضروري أن تكون هذه القضايا أمنية، وطلال وإن كان دوره إداري فهو موظف في سلطة تنفيذية، ومعلوم أن من أبجديات القضاء هو أن يتمتع باستقلال إداري ومالي ودبي لا تخلوا من أكفاء مستقلين يشرفون على هذا الملف".

وتحدث ناشطون عن عدد من القضايا التي ورط فيها جهاز الأمن دولة الإمارات ودبي تحديدا، مثل قضية الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجيز الذي اعتقله الجهاز وقدمه للقضاء بتهمة التجسس بأدلة ملفقة واعترافات تحت التعذيب، وصدر حكم مؤبد عليه ولكنه لم يقض منه سوى أسبوع واحد عندما اضطرت دبي للإفراج عنه تحت الضغط البريطاني والتهديد بفرض عقوبات على الدولة جراء هذا الحكم، ما أضر بسمعة الإمارات واستقلال القضاء أمام دول العالم، وترؤس طلال بالهول للقضاء يعني مزيدا من هذه الوقائع بحسب ناشطين.

فهل الوثيقة، تعبر بالفعل عن ضرورة "إصلاح إداري" نحو الحوكمة أم ستكون طريقا يشرعن تحكم أجهزة الأمن والشرطة في مؤسسات دبي المدنية، فضلا عن العودة لأبجديات المركزية التي تتميز بها أبوظبي وتخلصت منها دبي، ولكن يبدو أنها تعود إليها، مجددا، حسب تخوفات المحبين لدبي والحريصين على استمرار نجاحها.