وصف الكاتب في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر حملة الاعتقالات الأخيرة للأمراء في السعودية بأنها “انقلاب قصر تزامن مع حرب أسعار النفط“.
وبدأ مقاله بالقول إن “محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الزئبقي/المتقلب والحاكم الفعلي للسعودية، ضرب مرة ثانية: شن انقلاب قصر ثانيا في السعودية وحرب أسعار النفط بتداعيات عالمية”.
وأضاف أنه قام في الأسبوع الماضي باعتقال الأمير أحمد بن عبد العزيز، أصغر أشقاء الملك سلمان، والأمير محمد بن نايف، ابن عمه الذي أطاح به من ولاية العهد في عام 2017.
وصورت المصادر السعودية التحرك بأنه محاولة لمواجهة انقلاب كان في طور الإعداد أو أنها تذكير بأن ولي العهد يتعامل بقسوة مع أي شخص يشكك في قدرته على الحكم. وبعيدا عن هذا فإن الاعتقالات تعبير عن سياسة القبضة الحديدية، أيا كان السبب.
بدلا من أن يقود ولي العهد ربيعا عربيا من القمة للأسفل تسبب بالانهيار فمن غير المحتمل تفكير الأميرين اللذين يراقبان بشكل دائم بمحاولة انقلاب. وفي النهاية يعود الأمر للمراقب كي يتعامل مع الاعتقالات بأنها محاولة لتأكيد السيطرة أو أنها تتضح بالرهاب والخوف.
ولو فكر الأمير محمد جليا بالتداعيات لوجد أن مخاوفه بدون أساس. فرغم الشجب الحاد له في الكونغرس بعد مقتل جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018 والنتيجة التي توصلت إليها سي آي إيه بأنه من أمر بالجريمة إلا أنه سيقوم باستضافة قمة العشرين نهاية العام الحالي. ولم يغير الرئيس دونالد ترامب من موقفه الداعم للأمير والذي جاء بتأثير من صهره قليل الخبرة جارد كوشنر.
واستخدم ترامب الفيتو ضد قرارات الكونغرس التي طالبت بمعاقبة السعودية على الحرب المدمرة في اليمن والتي شنها وأمر بها الأمير محمد بن سلمان.
ويقول غاردنر إن الحماس كان كبيرا للأمير البالغ من العمر 34 سنة والذي جسد طموحات شعب شاب كممه الحكم الديني. ولم يشكك أحد في نيته تحديث وإصلاح المملكة وإخراجها من التبعية للنفط إلى دولة حديثة تقودها الاستثمارات الخاصة. إلا أن الشك والمساءلة لنواياه جاءت من طريقته في الحكم على الأمور. فقد اعتبره الرئيس ترامب حليفا لا يقدر بثمن نظرا لوعوده بشراء السلاح الأمريكي ودعم الخطة التي أعدها من جانب واحد جارد كوشنر لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وبأن يكون على رأس جبهة لمواجهة إيران.
ولكن الأمير وقع مذكرات نوايا لشراء السلاح أكثر من الشيكات، فيما عنفه والده لدعمه خطة كوشنر وأكد على موقف السعودية التقليدي من القضية الفلسطينية.
أما بالنسبة لإيران، فقد أطلق الأمير صرخات حرب بدون فعل. ومن الناحية العملية قاد حصارا ضد جارته قطر مما دفعها أكثر إلى أحضان إيران. ثم احتجز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بشكل فتح المجال أمام إيران لتقوية موقعها في لبنان.
الهندسة المفاجئة لضرب أسعار النفط تبدو مثل ضرر جانبي من أمير مستبد غارق
وبعد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة العام الماضي -والتي شنتها بالتأكيد إيران- وكشفت عن مكامن ضعف المملكة قرر الأمير تلطيف نبرته تجاه طهران ولكن ليس تهوره. وربما حصل على علامة نجاح في الطريقة الشكسبيرية التي يعامل فيها أقاربه. ولكنه بدأ حرب أسعار نفط كارثية وسط انتشار مرض كوفيد-19.
وبعد حوالي ثلاثة أعوام من التنسيق الروسي مع منظمة أوبك لدعم أسعار النفط، رفضت موسكو الأسبوع الماضي تخفيض معدلات إنتاج النفط لاعتقادها أن تخفيض الإنتاج يعطي فرصة لشركات النفط الأمريكية. وكان رد الأمير السريع هو تخفيض سعر النفط بشكل أدى لانهيار أسعاره وخسائر فادحة في الأسواق المالية لم تشهدها منذ الأزمة المالية عام 2008.
وأعلنت الرياض عن زيادة في مستويات الإنتاج من 9.5 ملايين برميل في اليوم إلى 12.3 مليون برميل في اليوم. وسيغرق هذا القرار السوق بالنفط ويؤثر على نفوذ شركات النفط الأمريكية التي تستخرج النفط من الزيت الصخري وبالضرورة الاقتصاد الأمريكي. وربما بدأ ترامب الذي يخوض حملة لإعادة انتخابه هذا العام بمراجعة موقفه من ولي العهد الذي بدلا من أن يقود ربيعا عربيا من القمة للأسفل تسبب بالانهيار.
وفي عام 1973 استخدم الملك فيصل النفط كسلاح في الحرب العربية- الإسرائيلية. وكان قراره في ذلك الوقت يحمل بعدا سياسيا. أما الهندسة المفاجئة لضرب أسعار النفط تبدو مثل ضرر جانبي من أمير مستبد غارق، مما يجعل قمة العشرين هذا العام مهمة.