أشاد مركز مناصرة معتقلي الإمارات، بتضحيات المواطنين الإماراتيين الموقعين على عريضة الثالث من مارس عام 2011، لافتاً إلى أنها تعد التضحية الأكبر في تاريخ الإمارات منذ تأسيسها، حيث يدخل العشرات منهم عامهم العاشر في السجن، وهي أكبر فترة سجن لمعتقل سياسي تشهده البلاد.
جاء ذلك، في تقرير للمركز، بمناسبة الذكرى الـ11 لـعريضة الثالث من مارس، والتي وجه فيها 133 ناشطاً إماراتيا عريضة لرئيس دولة يطالبون بتعزيز استقلال القضاء وتوسيع المشاركة الشعبية في الترشح والانتخاب، إلا أن رد الحكومة كان أمنياً، وزج بـ31 منهم في السجون حتى اليوم، وسحب جنسيات بعضهم، ولاحق عائلاتهم.
وأشار المركز، إلى أن بعض المعتقلين فقد وظيفته، وآخرين خسروا عائلاتهم أو أموالهم، وبعضهم فقد كل ذلك، فقط لأنه أراد أن يحصل الشعب الإماراتي على حقه في الانتخاب باختيار ممثليه.
والموقعون على العريضة وفق المركز، "هم نخبة من الأكاديمين والمحامين والقضاة والصحفيين والمعلمين والناشطين الحقوقيين، طالبوا بتعزيز صلاحيات المجلس و تعديل المواد الدستورية ذات الصلة به بما يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة، ذلك أن المجلس حالياً هو هيئة استشارية بحتة لا تملك أي سلطة تشريعية أو تنظيمية".
ووفقاً لتقرير المركز، فإن العريضة صيغت بلغة "بالغة التهذيب"، إذ أكد موقِّعوها على تمسكهم بنظام الحكم، وأشاروا إلى وجود "انسجام كامل بين القيادة والشعب" وأن "المشاركة في صنع القرار جزء من تقاليد وأعراف هذا الوطن".
ولقيت العريضة في البداية استحسان السلطات، وهو ما عزز الأمل لدى أصحابها بأن هذا مقدمة لإصلاحات دستورية تضع الدولة بين الدول الديمقراطية، لكن تغييراً غريبا حدث فجأة، وبدلاً من أن تكون العريضة مقدمة للإصلاحات، كانت مقدمة لانتهاكات غير مسبوقة في تاريخ البلاد، أدخلتها لزمرة الدول القمعية.
فبعد أقل من شهر على تقديمها، اعتقلت السلطات 5 ناشطين حقوقيين، كانت تعتقد أنهم العقول المدبرة لها، ووجهت لهم تهماً "بإهانة رموز الدولة والتحريض على أعمال من شأنها تعريض أمن الدولة للخطر" لكن اعتقال الخمسة لم يكن سوى تمهيد بسيط لحملة قمعية كبيرة لقمع المعارضين والناشطين الحقوقيين، حيث توسعت لتشمل اعتقال العشرات من الموقعين على العريضة والتنكيل بهم.
وركزت الحملة على التنكيل بأعضاء "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"، إذ اعتقلت السلطات 94 شخصاً منها، ووجهت لهم اتهاما "بإنشاء تنظيم سري غير مشروع والتخطيط لقلب نظام الحكم"، وحوكموا بالسجن مدداً تصل إلى المؤبد.
العديد من وسائل الإعلام ربطت العريضة بأحداث الربيع العربي ووصفت ما جرى بـ"الاحتجاجات الإماراتية 2011"، وهو وصف يجده الباحث عن العريضة في موسوعة "ويكيبيديا"، كما حاولت السلطات تعزيز هذه الفكرة، والإيحاء أن الهدف هو إشعال ثورة ضد نظام الحكم، رغم أن الموقعين أكدوا تمسكهم به.
والحقيقة أن "العريضة لم يكن لها علاقة بالربيع العربي وما يحدث في الدول المجاورة، وهذا ما يؤكده الناشط الحقوقي أحمد منصور أحد المبادرين بفكرتها، فقد كانت مجرد ردة فعل على المرسوم الصادر في فبراير 2011 الذي أعلن إجراء انتخابات جديدة للمجلس الوطني الاتحادي، وأسماء الأشخاص المختارين من قبل السلطات كأعضاء فيه، دون إضافة أي صلاحيات له".
وجاءت فكرة العريضة لمطالبة السلطات بتعديل طريقة اختيار المجلس الذي يُعيَّن نصفه من قبل السلطات، فيما يأتي الآخرون عن طريق انتخابات يشارك فيها مجموعة من الأشخاص تختارهم السلطات أيضاً.
وطالبت العريضة بمنح الإماراتيين حقهم بالانتخاب مثل غيرهم، ومنح المجلس صلاحيات تسمح له بممارسة عمل حقيقي كممثل للشعب، وهذا لا يتعارض مع الدستور الذي تعهد حكام البلاد في ديباجته "بالسير نحو حكم ديمقراطي نيابي متكامل الأركان".
كما أن أسلوب العرائض من التقاليد الإماراتية الراسخة، وقد يكون الطريقة الديمقراطية الوحيدة التي كان يستخدمها المواطنون منذ تأسيس الدولة للتعبير عن مطالبهم ورغباتهم وأفكارهم، وكثيراً ما استجابت السلطات لهم، كما حصل في 2009 حين نظم مجموعة عريضة دعت رئيس الدولة إلى رفض قانون الإعلام بسبب تهديده لحرية التعبير، فاستجاب الأخير وعلّق القانون.
ولسبب غير مفهوم، اعتبرت السلطات العريضة جريمة لا تغتفر، وشنت حملة للتنكيل بالموقعين عليها وسجنتهم، وتمت مضايقة عائلاتهم ومصادرة جنسياتهم ومنعهم من أبسط حقوقهم، مع أن العريضة لم تكن سوى طريقة "سلمية مهذبة" للمطالبة بمنحهم حق الانتخاب، ولم تتضمن أي إشارات لرفضهم لنظام الحكم، بل أكدوا تمسكهم به.