كشفت وثائق حكومية سرية تسربت إلى الجمهور عن حجم الخسائر المذهلة بين المدنيين جراء استخدام الولايات المتحدة للطائرات بدون طيار، مع تحذيرات تفيد بأن هذه الغارات تؤدي غالبا إلى نتائج عكسية.
وتبين من خلال الوثائق المسربة إلى أن الحملة العسكرية المشتركة للجيش والمخابرات الأمريكية في شمال شرق أفغانستان والتي تعتمد على الطائرات بدون طيار لقتل زعماء طالبان قد أصابت أهدافا غير مقصودة على الإطلاق وراح ضحيتها أكثر من 219 شخصا لم يكن من بينهم سوى 35 من الأهداف المقصودة.
وقد افتضح أمر هذه الوثائق بعد أن نشر موقع «انترسكريبت» حفنة من البيانات والأوراق الرسمية تم الحصول عليها من مسؤول في المخابرات المركزية الأمريكية، في خطوة قد تزيد من تعقيد استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك اوباما بالتدخل العسكري في جميع أرجاء العالم عبر الجو والبحر بعيدا عن القوات البرية كما تم نشرها في اليوم نفسه الذي أعلن فيه اوباما عن وجود مستمر في أفغانستان.
ومن بين الاستنتاجات التي أظهرتها الوثائق أن الإصابات غير المقصودة لهجمات الطائرات بدون طيار في بعض الأحيان تفوق بكثير الأهداف المقصودة، وعلى سبيل المثال، قتلت تلك الهجمات شخصا واحدا فقط كان في موضع الاستهداف، ولكنها قتلت 15 مدنيا لا علاقة لهم بأي أهداف خلال فترة تتراوح بين شهر إلى 5 أشهر.
وكشفت الوثائق، أيضا، عن مدى «إدمان» الجيش الأمريكي على استخدام هذه الطائرات بحجة أنها طريقة فعالة لإدارة الحرب دون التورط في أخطاء الحرب البرية، كما حدث في العراق وأفغانستان.
وجاء في الوثائق أنه من الصعب الآن سحب هذه «الماكينة» من القيادات العسكرية والسياسية، وأنه سيتم الاستمرار باستخدام هذه الطائرات على الأرجح رغم الخسائر بين المدنيين.
وتفاخرت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرارا بأن غارات الطائرات بدون طيار تقتل أقل عدد ممكن من المدنيين، ولكنها في الواقع كانت تميل إلى اعتبار الأشخاص الذين قتلوا بجوار الهدف على أن لهم صلة مجهولة مع الإرهابيين المستهدفين دون أدلة، كما تم تصنيف هولاء في الوثائق على أنهم أعداء في المعارك.
وقد اعترف أكثر من مسؤول أمريكي عبر هذه الوثائق على عدم وجود دليل قاطع على أن «الأعداء» الذين تم قتلهم في الغارات كانوا بالفعل من بين الأهداف.
وقال المسؤول الاستخباري الذي سرب الوثائق للجمهور إلى أنه لا يوجد ضمان أن هولاء الذين تم قتلهم يستحقون مصيرهم مما يعني أن الأمر برمته مقامرة هائلة.
وكشفت الوثائق عن نقص محرج في المعلومات الاستخبارية وتقنيات العثور على إرهابيين في اليمن والصومال، مما يؤكد حدود موارد المخابرات المركزية في البلدين.
وتغطي الوثائق المسربة الفترة بين 2011 وعام 2013 عندما أصدر اوباما لأول مرة مجموعة من المبادئ التوجيهية والمعايير لتغطية حرب الطائرات بدون طيار. وتتعارض هذه الوثائق مع تصريحات اوباما الأخيرة في خطاب ألقاه بجامعة الدفاع الوطني قال فيه إن الولايات المتحدة لن تشن غارات إذا كان بإمكانها التقاط الإرهابيين بشكل فردي، وإن الأفضلية دائما للاحتجاز والاستجواب والمحاكمة، ناهيك عن تحذيراته بأن سقوط المزيد من المدنيين سيعني بلا شك تصاعد الشبكات الإرهابية وحصولها على مؤطئ قدم في العواصم والمدن الكبرى مثل صنعاء وكابول ومقديشو.
وأشار مسؤول في الإدارة الأمريكية ردا على الوثائق المسربة إلى أن المبادئ التوجيهية لا تزال سارية المفعول، ولكن قيادة العمليات الأمريكية رفضت التعليق على الوثائق، بحجة أن تفاصيل الحملة ما زالت طي الكتمان.
وتتذرع واشنطن باستهداف "المطلوبين" ومقتل المدنيين بذريعة مكافحة الإرهاب الذي تورطت فيه واشنطن و معظم دول العالم إما بصناعة الإرهاب وادعاء مكافحته أو باستغلاله لمحاربة الناشطين السلميين، كما يتهم محللون سياسيون.