أحدث الأخبار
  • 09:06 . إسبانيا وأنديتها مهددون بالاستبعاد من البطولات وسحب تنظيم كأس العالم... المزيد
  • 08:56 . النفط مقابل المال.. أبوظبي تقرض جنوب إفريقيا 13 مليار دولار مقابل نفط 20 عاماً... المزيد
  • 07:38 . مظاهرة مناصرة لغزة أمام جامعة "سوربون" في باريس... المزيد
  • 07:01 . بوريل: دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية الشهر القادم... المزيد
  • 06:12 . رغم الحرب.. الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة... المزيد
  • 12:27 . انطلاق معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 33... المزيد
  • 11:17 . النفط يتراجع مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة... المزيد
  • 11:10 . توقعات بارتفاع أسعار البنزين في الإمارات خلال مايو بسبب الصراع "الإسرائيلي الإيراني"... المزيد
  • 10:50 . مانشستر سيتي يواصل مطاردة أرسنال بثنائية في مرمى نوتينجهام... المزيد
  • 10:43 . وزير الخارجية الأمريكي يصل السعودية لبحث الحرب على غزة... المزيد
  • 10:16 . لوموند: فرنسا تخفض صادرات أسلحتها لـ"إسرائيل" لأدنى حد... المزيد
  • 12:10 . مباحثات كويتية عراقية حول دعم العلاقات والأوضاع في غزة... المزيد
  • 09:04 . وزير إسرائيلي يهدد بإسقاط حكومة نتنياهو إذا منع وزراء فيها صفقة مع حماس... المزيد
  • 08:21 . أرسنال يعزز صدارته للدوري الإنجليزي بفوز مثير على توتنهام... المزيد
  • 07:24 . على خلفية المظاهرات المناصرة لغزة.. عبدالله بن زايد يذكِّر الأوروبيين: لقد حذرتكم من الإسلاميين... المزيد
  • 07:17 . وزير الخارجية البحريني يصل دمشق في أول زيارة منذ الثورة السورية... المزيد

لحظة تاريخية مناسبة لفكر جديد

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 09-11-2019

لحظة تاريخية مناسبة لفكر جديد | القدس العربي

نحن في محطة تاريخية عربية قابلة للصعود العظيم المذهل، أو السقوط المأساوي المذل. ما يميز هذه المحطة التي يعيشها الوطن العربي منذ عشر سنوات، والذي لم يرَ تاريخه الحديث مثل تألق الإمكانيات الهائلة الحالية، لحدوث تغيرات كبرى في حياة العرب، ومثل الاستعداد الواعي المجتمعي لدى الملايين العرب لقبول أفكار عقلانية ذاتية تجددية، وممارسة سلوكيات حياتية عصرية.
لحظة المنعطف التاريخي الحالية، إذن، هي فرصة للمفكرين التجديديين والمثقفين الملتزمين العرب، لطرح ما كان يصعب طرحه في الماضي، بسبب ممانعة ورفض الكثيرين من أفراد الأمة سابقا لمثل تلك الطروحات، إما لأسباب دينية متوهمة، أو بسبب التمسك بمسلمات متخلفة قديمة عفى عليها الزمن، أو بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن الانغماس في الحاضر يغني عن الأهمية الكبرى لتفكيك ونقد وتجاوز كل ما في الماضي من تراث متخلف، أو تراث بدائي، إن كان قد صلح لزمانه فإنه ما عاد صالحا لأزمنة الحاضر المعقدة.
المشهد إذن مهيأ.. فالبربرية الجهادية التكفيرية، التي مارسها تنظيم «القاعدة» وغيره من التنظيمات، تحت شتى المسميات، من قطع للرؤوس، وحرق الأجساد، وسبي للنساء وغزو تدميري للمدن، واستباحة لأتباع الديانات الأخرى، أقنع الملايين من جماهير العرب، بأن التراث الفقهي، الذي اعتمدت عليه تلك البربرية الجهادية التكفيرية لتبرير أفعالها وحماقاتها، يحتاج بالفعل لمراجعة جذرية تفكيكية نقدية، تبرز نقاط ضعفه، وملابساته التاريخية، وتزمت أصحابه غير المبرر، وكونه ليس أكثر من اجتهادات بشرية قابلة للقبول أو الرفض. وقبول الملايين لتلك المراجعة سيكون أقوى وأكثر انتشارا، إذا تمت مراجعة التراث المتخلف المتزمت ذاك، من خلال إبراز التراث المستنير العقلاني، فهناك تراث تنويري عقلاني قادر على الرد على تراث ظلامي، وهناك ابن رشد قادر على أن يحاجج ابن تيمية مثلا، وهناك محمد عبده قادر على أن يرد على المودودي.

هذا مدخل كبير واعد يحتاج إلى كتلة تاريخية من المفكرين والمثقفين العرب، ليقوموا به. وبالطبع لن يكون الرد على التراث بالتراث فقط، وإنما ستسنده وتغنيه منظومة هائلة من مدارس فلسفية وعلوم اجتماعية حديثة، تحتاج إلى إيصالها إلى أذهان الملايين من العرب المتعطشين الآن لقراءة وسماع منظومة فهم ديني إسلامي جديد، تسقط كل ما في تراث الماضي من نواقص، أو سوء فهم، أو دس أو استعمال انتهازي، ليحل محله دين العدالة والقسط والميزان والتراحم والتسامح والأخوة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، الدين الذي بشر به نبيه الثوري العظيم.
الأمر نفسه ينطبق على اقتناع الملايين من جماهير العرب بأن الروابط القبلية والعشائرية والجهوية والعرقية، التي استعملها الفاسدون والناهبون عبر العصور، ليغطوا على امتيازاتهم وهيمنتهم على مصادر القوة والثروة والجاه، هي التي وراء أنظمة سياسية متخلفة، قامت على المحاصصات الطائفية والقبلية والجهوية، على حساب معيشتهم وكرامتهم الإنسانية. يسمع الإنسان كلمات التبرؤ من تلك الروابط في السياسة والدين والاقتصاد، من خلال أفواه الشباب الثائرين المرابطين في ساحات وشوارع شتى مدن وطن العرب. إنها كلمات قطيعة حقيقية صادقة مع إرث مريض، أغمض عيونهم ودجّن عقولهم عبر العصور، وكان غطاء لتبرير جوعهم وعريهم وقلة حيلتهم.
إضافة لكل تلك المهمات المناطة بالمفكرين والمثقفين العرب، التي أصبحت أسهل وأمضى في ظل ظروف التغيرات الذهنية والنفسية الحالية المتعاظمة، سنحتاج إلى كتلة مؤرخين تقوم بتبيان تجارب الآخرين في مواجهة أوضاع مشابهة لأوضاعنا. فعلى سبيل المثال هناك التجربة الأوروبية في التعامل مع الصراعات الدينية والمذهبية، التي اجتاحت أوروبا إبان العصور الوسطى، والتي أكلت الأخضر واليابس في طول وعرض أوروبا القرون الوسطى. إن في خروج أوروبا من تلك المحن دروسا وعبرا يمكن تبني الإيجابي منها، وتجنب السلبي، هذا إذا كانت الدراسة موضوعية وعقلانية ومتوازنة وغير تقليدية عمياء.

 فهم مثل تلك التجارب، في الغرب والشرق على السواء، يحتاج أن يكون رافعة في جهود إحداث التغييرات الكبرى في الحياة العربية، جهود متناغمة ومتساندة ومتفاعلة. الملايين مهيأة، فهل أن القلة المفكرة المثقفة الملتزمة المطلوبة مهيأة هي الأخرى؟ إنها فرصة تاريخية، وستكون كارثة لو أنها ضاعت، خصوصا إذا اعتقدت الأكثرية الجماهيرية والأقلية المفكرة بأن التغييرات السياسية وحدها كافية، وأهملت التغييرات الفكرية والثقافية الضرورية المطلوبة. مسيرة التاريخ لن تنتظر المترددين والخائفين، واللحظة الحالية هي لحظة وخطوة في تلك المسيرة.