لذا فقد جاء إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «الجائزة العربية للإعلام الاجتماعي»، التي تضم 20 فئة نشيطة على مواقع التواصل الاجتماعي، إدراكا لأهمية هذه الوسائل الجديدة التي صنعت واقعا جديدا بين مختلف الفئات العمرية، وباتت مقصدا يطرق للشباب وكبار السن على اختلاف أنواعهم. كما أنها تعبير عن فقه الواقع الذي لا يمكن تجاهله أو إنكاره، الذي فرضت هذه الأدوات الجديدة نفسها عليه كوسيلة لها مستخدمون لا يمكن أن نحول بينهم وبينها مهما كانت وجاهة الدوافع.
كما أن هذه الجائزة تفتح بابا جديدا للاستخدام الأمثل لهذه الوسائط، خاصة أن كل وافد جديد في مجال تكنولوجيا الاتصال، يصاحبه اضطراب في طرق وأهداف الاستخدام ذهابا وإيابا بين الإيجابي والسلبي، وهنا تأتي أهمية جائزة الإعلام الاجتماعي، الذي استخدمه البعض لنشر الفكر الهدام، غير أن هناك صنفا آخر استطاع أن يوظف هذه الوسائل في المجالات التنموية وللتغلب على كثير من التحديات.
ومن هنا تأتي أهمية تخصيص فئة من فئاتها للشخصيات الأكثر تأثيرا على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي، لإلقاء الضوء على التجارب المتميزة حتى وإن كانت فردية.
وفي تقديري أن من الجوانب المهمة لإطلاق هذه الجائزة، طبيعة الجائزة في حد ذاتها، والمجال الذي تغطيه لتكشف اللثام عن الطاقات الإيجابية التي يمكن ضخها عبر شرايين شبكات التواصل الاجتماعي، كما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، والذي يعد من أكثر قادة العالم استخداما لهذه الأقنية الجديدة، في التواصل مع شعبه وطرح مبادراته، «أنها أصبحت جزءا من الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في منطقتنا والعالم، ومؤثرا أساسيا فيه ومساهما رئيسا في صنع أحداثه، كما أن المؤثرين في هذه الوسائل أصبحوا من صناع التغيير في مجتمعاتهم».
كما أن إطلاق الجائزة يأتي متسقا مع منهج القيادة الرشيدة في النظرة الإيجابية لما حولنا، حتى وإن رأى البعض أو وظفها لغير ذلك، فلدينا القدرة دائما على طرح البديل الإيجابي النافع الذي يمكن البناء عليه، عملا بالحكمة التي قالها الفيلسوف الصيني «أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام».
فما أسهل أن يتضجر الإنسان مما حوله، ولكن أن تقوم بتغييره لصالحك والاستفادة منه فهذا هو الدرس الذي تطرحه الجائزة. وسيكون لها ما بعدها لتتجاوز، شأن كل المبادرات البناءة التي تخرج من أرض الإمارات، الحدود الوطنية، لأننا نعاني من شح المحتوى العربي في كافة وسائل ومصادر الإعلام الجديد، وهو ما يكرس واقعا ثقافيا لم يكن يوما لصالحنا، رغم أننا قادرون، بما نملكه من تاريخ وثقافة وحضارة، على المساهمة في ملء هذ الفراغ الفكري والثقافي. لذا فإن الجائزة تأتي كدفعة قوية لاستنفار الطاقات وشحذ الهمم، لإخراج ما لدى شبابنا من إبداع وهو كثير.
وفي تقديري أن الجائزة كذلك ستقوم بدور كبير في إعادة النظر في دوافع استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، فإذا كانت المعضلة الكبيرة التي تنجم عن استخدامها هي خلق الفردية، التي أصبحت سمة أساسية لروادها، وهو ما يؤثر على متانة النسيج الأسري، فإن طرح الجائزة سوف يساعد في إيجاد أرضية فكرية مشتركة بين القطاع الأكبر من أفراد المجتمع، عبر وضع أهداف كبرى يسعى الجميع إلى تحقيقها من خلال إدارة نقاش مجتمعي واسع.
ولا شك أن تجربة الإمارات الرائدة في العصف الذهني وإشراك كافة الأطراف المعنية بتطوير العملية التعليمية في وضع مقترحاتهم، بدءا من الطلبة مرورا بأولياء الأمور وليس انتهاء بالخبراء والأكاديميين، هو دليل وبرهان على النهج الراشد في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل قيادة تؤمن بأهمية الدور الذي تقوم به هذه الوسائل وتدفع إلى الاستفادة من جوانبها المشرقة، كما أنها تضرب بتعاطيها مع وسائل التواصل المثل والنموذج الذي يجب أن يحتذي به مستخدموها، فلكل عصر أشكاله وأدواته الاتصالية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة منها، يكشف عن إدراك طبيعة العصر وفقه واقعه.