كشف تحقيق استقصائي يضم بيانات وشهادات مسربة، أعده موقع فرنسي، عن وجود شبكة نفوذ تعمل في باريس لصالح دولة الإمارات، وتقوم على تشويه خصوم أبوظبي، بما في ذلك قطر، بالإضافة إلى كشفه عن آلية عمل الشبكة داخل هذا البلد الأوروبي.

واعتمد تحقيق موقع "ميديا بارت" الفرنسي في رصد نفوذ أبوظبي على إجراء لقاءات بعميل مخابرات إماراتي، ومحققين سويسريين، وباحثين، وصحفيين فرنسيين مشهورين، بالإضافة إلى ألكسندر بينالا، المعاون السابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بجانب البيانات والشهادات المسربة.

ووفقاً للتحقيق، الذي نقله "عربي بوست" للعربية، فإن الشبكة تقوم بتنسيق أنشطتها من قبل شركة Alp Services للاستخبارات والتأثير، التي تتخذ من سويسرا مقراً لها. والتقى الموقع بالعميل الإماراتي، الذي تربطه علاقة بباحثين يزعم أحدهم الوصول المباشر إلى إيمانويل ماكرون.

آلية عمل الشبكة

وشرح التحقيق كيفية وآلية عمل الشبكة، وذلك من خلال نشر المعلومات بهويات مزيفة على الإنترنت، بهدف إيذاء خصوم الإمارات، بما في ذلك قطر، حيث تظهر أعمالها في ترجمة  كتاب "أوراق قطر" للصحافييْن كريستيان شينو (راديو فرانس) وجورج مالبرونو (صحيفة لوفيغارو)، إلى اللغة العربية والإنجليزية، حيث يتحدث الكتاب عن "تمويل قطر لجمعيات إسلامية في أوروبا".

وبحسب الموقع الفرنسي، فإن هذه الشبكة تندرج ضمن حرب الظل بين الجارتين الخليجيتين، والتي بلغت ذروتها بين عامي 2017 و2021، عندما فرض تحالف بقيادة الإمارات والسعودية ومصر حصاراً على قطر.

كما سلط التحقيق الضوء على الصراع بين كبار قطر والإمارات في فرنسا، من خلال استحواذ الدوحة على فريق باريس سان جيرمان، واستثمار أبوظبي في المجال الثقافي من خلال متحف اللوفر الذي تستضيفه، فقد مارست الإمارات الضغط عبر نشر مقالات صحفية كاذبة وحتى القرصنة، ما دفعها إلى إنشاء عملية Raven لاختراق القطريين بمساعدة قراصنة إلكترونيين أمريكيين سابقين، بحسب التحقيق.

جواسيس أبوظبي

وأشار "ميديا بارت" إلى أن هذه أول مرة يكشف فيها كواليس عملية نفوذ في فرنسا وأوروبا، تشرف عليها مباشرة أجهزة المخابرات الإماراتية، فقد اعتمد جواسيس أبوظبي على شركة Alp Services السويسرية، التي أسسها في عام 1989 ماريو بريرو (76 عاماً)، وهو خبير في الصناعة يتمتع بأساليب مثيرة للجدل.

وقد حُكم عليه في فرنسا لحصوله بشكل غير قانوني في عام 2011 على سجلات المكالمات الهاتفية لزوج آن لوفرجون، رئيسة مجموعة "أريفا" آنذاك.

وقال الموقع الفرنسي، إن بريرو كان متهوراً، وأقدم في سياق نزاع تافه أمام المحكمة الصناعية، على نشر وثائق تكشف عن زبائنه، بمن في ذلك العميل الاستخباراتي الإماراتي.

وكشف التحقيق العميل الاستخباراتي الإماراتي، هو ضابط مخابرات كبير في أبوظبي، استخدم خدمات ماريو بريرو لمدة أربع سنوات على الأقل.

وكانت المهمة حساسة للغاية لدرجة أن الاتصالات تمر حصرياً من خلال عنوانين مجهولين مكونين من ستة أرقام، تم فتحهما على خدمة البريد الإلكتروني المشفرة Protonmail: الأول لشركة Alp، والثاني للوكيل الإماراتي.

 لقاءات سرية

كما جرت لقاءات سرية بين الأطراف في سويسرا أو في أبوظبي، ووفقاً للوثائق التي توصل إليها "ميديا بارت"، فقد نص أحد العقود مع شركة Alp على إجرائها تحقيقات مكثفة على وجه الخصوص حول "شبكات التأثير وجماعات الضغط وأصحاب النفوذ والصحفيين" المحسوبين على قطر في الاتحاد الأوروبي.

وكان الهدف من الحملة، التأثير على الصحافة ونشر مقالات كاذبة تهاجم قطر، كما أشار الموقع، الذي قال إن Alp Services تعمل على نشر أو التأثير على 100 مقال سنوياً نيابة عن الإمارات، ثم نشر بعضها عبر حسابات مزيفة، لا سيما في مساحة المشاركة الحرة "ميديا بارت-كلوب" تحت اسم مستعار "Tanya Klein". وبين عامي 2018 و2021، نشر هذا المدون الافتراضي 15 منشوراً، جميعها موجهة ضد الإخوان المسلمين وقطر.

وفي قلب العلاقة بين خدمات Alp والخدمات السرية الإماراتية يظهر مستشار آخر، هو الفرنسي رولان جاكار، الذي لطالما قدم نفسه على بلاتوهات التلفزيون باعتباره "خبيراً" في التطرف الإسلامي، وذلك بفضل بمنصبه كرئيس للمرصد الدولي للإرهاب.

وحول المرصد الذي يترأسه جاكار، قالت صحيفة "لوموند" إن "وراء هذا الاسم عالي الصوت يختبئ في الواقع غلاف فارغ، دون منشورات أو موقع إلكتروني أو عنوان بريدي أو أي وجود قانوني".

وأوضح تحقيق "ميديا بارت" أن شخصية فرنسية أخرى لا يمكن إنكار قربها من إيمانويل ماكرون هذه المرة، تظهر أيضاً في بيئة خدمات Alp في سويسرا، ويتعلق الأمر بألكسندر بينالا، الحارس السابق للرئيس الفرنسي، الذي شارك في العديد من الأحداث التي نظمتها وكالة ماريو بريرو، وذلك منذ عام 2018، بعد إقالة ألكسندر بينالا من الإليزيه.