نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية تحقيقًا صحافيًّا للكاتب «شين أونيل»، يقول فيه إن جهاز الأمن البريطاني الخارجي «إم آي-6»، أصدر في الذكرى الأولى لهجمات أيلول، تقريرًا أمنيًّا مثيرًا، حول التهديد الذي يمثله «صدام حسين».
ويشير التحقيق إلى أن التقرير ادّعى أن المعلومات من مصدر جديد كشفت التطورات التي قام بها الرئيس العراقي السابق لمواصلة إنتاج أسلحة الدمار الشامل، لافتًا إلى أن التقرير كان بالنسبة لرئيس الوزراء في حينه «توني بلير»، الباحث عن دليل يدين النظام العراقي، بمثابة الدليل القاطع.
ويذكر «أونيل» أنه في اليوم الثاني، كان مدير الاستخبارات سير «ريتشارد ديرلاف» في 10 داونينغ ستريت؛ من أجل تقديم ملخص عن التقرير إلى بلير، والمصدر الذي قدم له المعلومات.
ويعلق الكاتب قائلًا: «كانت تلك أيام العز بالنسبة للوكالة، التي ظلت بعيدة عن الأضواء، ولا تعرف ماذا تعمل، حتى قام زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بضرب الولايات المتحدة. ومن أجل فهم تنظيم القاعدة، الذي يقف وراء التفجيرات، بحث بلير عن (إم آي-6) والجواسيس العاملين فيها؛ من أجل تقديم رؤية عنها، خاصةً أن هذه الوكالة متخصصة في جمع المعلومات من الخارج، على خلاف وكالة الأمن الداخلي (إم آي 5)».
وتبين الصحيفة أن «لورد ويلسون أوف دينتون»، الذي كان وزيرًا في الحكومة حتى سبتمبر 2002، قال في شهادته أمام لجنة تشيلكوت، التي أصدرت تقريرها يوم الأربعاء، إن «ديرلاف» كان يسافر مع «بلير» في رحلاته، حيث كان يبني تحالفًا من أجل غزو أفغانستان، وقال إن «مدير (إم آي- 6) انتهز الفرصة للتعرف على رئيس الوزراء عن قرب، وليتعرف إليه رئيس الوزراء أيضًا»، وأصبح تدريجيًّا «سي»، وهو الحرف الذي يرمز به لمديري المخابرات المفضلين لدى «بلير»، والذي يعتمد عليه في اتخاذ القرارات المتعلقة بالعراق.
ويلفت التحقيق، الذي ترجمه موقع «عربي21»، إلى أنه عندما بدت نوايا الولايات المتحدة تجاه صدام واضحة، والتزم «بلير» بدعمها، نظر الأخير إلى «إم آي-6» للمساعدة، حيث قال ديرلاف في شهادته أمام اللجنة إن الحكومة طلبت مساعدة جهازه؛ نظرًا لقلة المعلومات المتوفرة عن الموضوع لدى وزارة الخارجية.
ويورد «أونيل» أن الحكومة أرسلت «ديرلاف» في ديسمبر إلى واشنطن؛ لإجراء مباحثات مع «سي آي إيه»، حول طريقة جمع المعلومات عن العراق، لافتًا إلى أن «إم آي-6» أصدرت خلال التسعة أشهر التي سبقت الغزو، ثلاثة تقارير أمنية في محاولة لتبرير الحرب.
وتكشف الصحيفة عن أن التقرير الأول استند إلى مصدر لقبه «كيرفبول»، وتحدث عن تطوير العراق مختبرات متحركة للسلاح الكيماوي، أما الثاني فقد قال إن الصواريخ المزودة برؤوس كيماوية يمكن إطلاقها في مدى 45 دقيقة، أما الثالث فقد زعم أن «صدام» ما يزال ينتج أسلحة الدمار الشامل، مشيرة إلى أن حالة التبرير للحرب أصبحت واضحةً، لأن قادة الأجهزة الأمنية كان لديهم اعتقاد ثابت بأن صدام حسين وسع من الترسانة العسكرية القاتلة، التي استخدمها ضد إيران والأكراد.
وينوه التحقيق إلى أن هذه العقلية رفضت تصديق الشكوك التي طرحها مفتشو الأمم المتحدة، حول وجود أسلحة الدمار الشامل، أو الرسائل التي مررها النظام العراقي، بأنه قام بتدمير أسلحته بعد حرب الخليج الأولى، أو حتى النظر فيها، حيث كان مدير اللجنة الأمنية المشتركة «جون سكارليت»، وهو «سي» الثاني، لديه اعتقاد ثابت أن العراق أخفى أسلحته.
ويستدرك الكاتب بأنه رغم هذا الاعتقاد، إلا أن المصادر التي تم الاعتماد عليها، لم يتم التحقق منها، ولا من المعلومات التي قدمتها قبل إرسالها إلى مقر الحكومة في 10 داونينغ ستريت، مشيرًا إلى أنه حصل فشل ذريع في التأكد من المعلومات، عبر فريق الخبراء العامل في الجهازين الأمنيين، حيث اكتشف خلال العامين اللاحقين أن مصادر المخابرات لم تكن موثوقة.
وتفيد الصحيفة بأن المصدر الذي زعم أن «صدام» ما يزال ينتج السلاح الشامل تبين أنه «كاذب بالفطرة»، فيما اعترف المصدر «كيرفبول» بأنه قام بتزييف المعلومات، وكشف عنه اسمه وهو رافد الجنابي، الذي طلب اللجوء السياسي إلى ألمانيا، كما تم سحب مصدر المعلومة التي تتحدث عن 45 دقيقة يحتاجها العراق لإطلاق صواريخه، حيث قال مصدر أمني رفيع للجنة إن الأجهزة الأمنية «كانت تحت ضغط لا يتصور، وقامت بتسويق المعلومات قبل التحقق منها».
وينقل التحقيق عن المدير السابق لوحدة جمع المعلومات «جي سي أتش كيو»، والوزير الدائم في وزارة الداخلية سير «ديفيد أوماند»، أن «إم آي-6» وعدت كثيرًا وقدمت القليل، لافتًا إلى أن العراق لم يكن النقطة التي أخطأت فيها الوكالة، بل إنها تصرفت بغطرسة في تعاونها مع «سي آي إيه» في ما أطلق عليها «الحرب على الإرهاب»، ومسألة الترحيل القسري، والتواطؤ البريطاني فيه، وتعذيب معتقلي غوانتانامو، حيث كشف عن الدور الذي أدته المخابرات في ترحيل المعارضين لنظام «معمر القذافي»، بالإضافة إلى الكشف عن رسالة لمديرة «إم آي 5» إليزا مانينغهام بولر، التي عبرت فيها عن غضبها من تصرفات ضباط «إم آي-6»، حيث انهارت الثقة بينهما.
ويقول «أونيل» إن «العارفين بالاستخبارات يعلمون أن طريقة عملها تغيرت منذ فشلها في العراق، وفي اكتشاف منفذي هجمات لندن عام 2005، حيث إنه في مراجعة تمت عام 2004 للمعلومات الأمنية حول العراق، أعقبتها إعادة تشكيل لعمل المؤسسات الثلاث: (إم آي فايف) و(إم آي- 6) و(جي سي إتش كيو)، حيث يتم التحقق من المعلومات والمصادر واللغة المستخدمة للتعبير عن أهميتها».
وتختم «التايمز» تقريرها بالإشارة إلى أنه «مهما كان أثر الإصلاح، إلا أن الفشل الأمني الذريع ترك إرثًا، وكما يقول تشيلكوت: (ترك تحديات على مصداقية الحكومة والمخابرات)».