قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حقق حلما عزيزا عليه بفتح آيا صوفيا للصلاة.
وقالت كارلوتا غال في تقريرها إن المؤمنين المسلمين احتفلوا بقرار أردوغان رغم ما أدى إليه من شجب المسيحيين والمعماريين الذين يريدون الحفاظ على التراث. وقالت غال إن الرئيس أردوغان ختم رغبته الطويلة بفتح آيا صوفيا للصلاة بإقامة صلاة الجمعة في المبنى البيزنطي الذي بني في القرن السادس عشر ولأول مرة منذ تسعة عقود تقريبا. وقالت غال إن تجمعات هائلة بدأت بالتدفق على آيا صوفيا حتى قبل ساعات الفجر لكي تتاح لهم فرصة أداء صلاة الجمعة في المسجد والتي تعتبر لحظة تتويج لحكم أردوغان الذي مضى عليه 18 عاما. وفي ظل حراسة مشددة جلس المصلون في الشوارع والأزقة المؤدية إلى المسجد حيث جلسوا على سجاد الصلاة الذي أحضروه معهم وارتدوا الأقنعة للحماية من فيروس كورونا وحموا رؤوسهم بأغطية مع بزوغ شمس الجمعة. وامتلأ كل شارع وزقاق مرصوف حول المسجد وكذا الأماكن المفتوحة التي تؤدي إلى المبنى العتيق على مضيق البسفور. ووصل أردوغان في الظهيرة مرتديا القناع وجلس على أرضية المسجد محنيا رأسه ومغمضا عينيه وهو يستمع إلى القرآن المرتل والذي تم نقله حيا على التلفزيون الوطني في الساعة الواحدة حسب التوقيت المحلي.
وجلس المصلون صامتين عندما قام المفتي العام بإلقاء خطبة الجمعة ويده على سيف الفتح. وقال رجل الأعمال المتقاعد صلاح الدين يغتير: “هذا مهرجان لنا اليوم ونحن فرحون” و”تم تحويله بضغط من الشعوب المسلمة”. وبخلاف حالة الفرحة بين المسلمين في تركيا فقد شعر المسيحيون حول العالم بالغضب والفزع من قرار أردوغان.
وبنى الإمبراطور جستنيان الكاتدرائية التي ظلت لألف عام أكبر كنيسة في العالم ومركزا للمسيحية. وفي عام 1453 قام محمد الفاتح بفتح القسطنطينية وحول البناء العظيم إلى مسجد وأصبح من المقدسات المهمة لدى المسلمين.
وفي ظل مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة تم تحويل آيا صوفيا إلى متحف. وظلت على مدى 86 عاما صرحا شاهدا على الإمبراطوريات والأديان المتنافسة والتي تداخلت تواريخها معا.
وقبل المناسبة بساعات أعلنت الحكومة أن المكان الذي يصنف من التراث العالمي سيغلق لمدة 24 ساعة مما أثار دهشة السياح الذي فوجئوا بالقرار. وسيظل المكان مفتوحا طوال ليلة السبت ليتاح للمؤمنين التجول داخل المسجد، حسبما قال حاكم إسطنبول علي يرليكيا في بيان متلفز عشية افتتاحه.
وتقول الصحيفة إن الكثيرين في تركيا ينظرون لكل المناسبة على أنها مسرح سياسي وجزء من جهود أردوغان تقوية موقعه السياسي الذي ترنح بعد عقدين من قيادة السياسة التركية والنكسات التي تعرض لها بسبب وباء فيروس كورونا وتراجع الاقتصاد.
وقال زعيم المعارضة كمال كيلتشدار أوغلو إنه لن يحضر الصلاة لا لأنه يعارض تحويله إلى مسجد ولكن لأنه لا يرى ضرورة الظهور وهو يصلي أمام عدسات الكاميرا. وقال إنه عندما قاد مسيرة قبل ثلاثة أعوام كان يصلي وحيدا في الجامع بدون ملاحقة الكاميرات له. وقال الباحث في تركيا بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى سونير تشاغابتاي: “كله رمزية ومناظر” مضيفا أن “إعادة وضع آيا صوفيا كمسجد هو هدف طويل للإسلاميين وهو أمر طالما آمن به” في إشارة إلى أردوغان، و”يريد عمله قبل أن يذهب”. وتميز حكم أردوغان بالسياسة الخارجية الحاسمة والمشاريع العملاقة في الداخل بما فيها أكبر مسجد في موقع مهم يستحضر الأمجاد العثمانية. ومن هنا ففتح آيا صوفيا كمسجد هو تتويج لعهده. وبحسب التقارير الإعلامية فقد كان أردوغان واضحا أنه لم ينم الليل عندما وقع أمر إعادة وضعية المكان لمسجد، حيث كانت مشاعره متدفقة. ولا شك أن أردوغان والمسلمين المحافظين الأتراك يشعرون بالنشوة من القرار.
ويقول مظفر ديمر، مدير فندق سافر من العاصمة أنقرة مع زوجته وابنته البالغة من العمر 13 عاما لحضور المناسبة، إنه “شعر بالنشوة والعواطف والدموع”. وزار أردوغان آيا صوفيا مرتين لمتابعة التحضيرات حيث التقطت له يوم الخميس الصور مع زوجته أمينة.
وعندما أصبح افتتاح المسجد قريبا وتمت تغطية الرسوم والصور والفسيفساء انتشرت حالة من الفزع في الدوائر الثقافية والأكاديمية. وفي احتجاج قوي قالت الجمعية الإيطالية للدراسات البيزنطية برئاسة أنطونيو ريغو بجامعة كافوسكاري بالبندقية إن تحويل آيا صوفيا بتركيا اليوم إلى مسجد هو تعريض صرح للانتهاك والخنق. وقالت الجمعية إن “آيا صوفيا ليست صرحا فقط بل مصدرا لا يفنى للمعرفة التاريخية والوثيقة المفتوحة للتحقيق” و”بإعادتها كمكان عبادة وما سيتبع من تعديلات فإنها ستصبح مغلقة وصامتة”. وقالت الجمعية إن تركيا قامت بتعديلات بطيئة في عدد من الكنائس البيزنطية التي حولتها إلى مساجد. وشجبت الجمعية ما وصفته “العرض الفظيع للتعصب والضيق الأيديولوجي” من أردوغان وتمجيده للفتح العنيف. وناشدت الجمعية كل الباحثين والعلماء وأعضاء الإنسانية الوقوف ومنع كل أشكال الانتهاك للناس حول العالم وآمالهم للمصالحة والسلام. وحزن المؤرخون لتغطية أرضية المسجد ذات الأشكال الملونة.
وتمت تغطية الأرضية بسجاد من الصوف الفيروزي بطول 2.000 متر نسج خصيصا لآيا صوفيا. وعندما فتح محمد الفاتح القسطنطينية أعجب بأجزاء من الكنيسة وتركها. ويقال إنه قتل جنديا كان يقوم بتدمير البلاط الجميل. ولكن الأتراك الذين احتفلوا بإعادة المكان لما كان عليه مسجدا منذ الفتح كانوا مصرين على أنه ملكية للمسلمين. وقال ديمير، مدير الفندق: “أعيد فتح آيا صوفيا”.
وأثنى يغتير رجل الأعمال السابق على شجاعة أردوغان وتجاهله الرد الدولي. كما اعترف أنصار أردوغان أنهم كانوا بحاجة إلى هذه المناسبة لرفع معنوياتهم بعد خسارتهم بلدية إسطنبول العام الماضي. وقال أستاذ المدرسة ديليك أيدين: “هذا أمر ننتظره منذ وقت طويل”.