أحدث الأخبار
  • 11:06 . أكدوا على براءتهم من جميع التهم.. الكشف عن تفاصيل الجلسة التاسعة في قضية "الإمارات 84"... المزيد
  • 10:21 . في تقريرها السنوي.. "العفو الدولية": أبوظبي تواصل عزل معتقلي الرأي وتقيّد حرية التعبير... المزيد
  • 10:19 . إصابة الوزير الإسرائيلي المتطرف "بن غفير" إثر انقلاب سيارته ونقله إلى المستشفى... المزيد
  • 05:45 . الإمارات والنمسا تبحثان مستجدات الشراكة الشاملة... المزيد
  • 04:49 . "حماس" تطالب بتحقيق دولي فوري في المقابر الجماعية في غزة... المزيد
  • 04:48 . لمساعدة الاحتلال على اقتحام رفح.. الجيش الأميركي يبدأ بناء رصيف المساعدات قبالة غزة... المزيد
  • 11:04 . ارتفاع عدد الطلبة المعتقلين ضد الحرب في غزة بالجامعات الأميركية إلى نحو 500... المزيد
  • 11:01 . "الصحة" تقر بإصابة عدد من الأشخاص بأمراض مرتبطة بتلوث المياه بعد السيول... المزيد
  • 10:59 . بلومبيرغ": السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غزة... المزيد
  • 10:57 . "تيك توك" تفضل الإغلاق على بيعه للولايات المتحدة... المزيد
  • 10:18 . علماء: التغيّر المناخي "على الأرجح" وراء فيضانات الإمارات وعُمان... المزيد
  • 09:32 . عقوبات أمريكية على أفراد وكيانات لعلاقتهم ببيع "مسيرات إيرانية"... المزيد
  • 09:02 . الاحتلال الإسرائيلي يسحب لواء ناحال من غزة... المزيد
  • 07:55 . حاكم الشارقة يقر إنشاء جامعة الذيد "الزراعية"... المزيد
  • 07:37 . استمرار الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية على حرب غزة والعفو الدولية تدين قمعها... المزيد
  • 07:33 . صعود أسعار النفط بعد بيانات مخزونات الخام الأمريكية... المزيد

الاستعمار الناعم

الكـاتب : خليفة راشد النعيمي
تاريخ الخبر: 30-11--0001

خليفة راشد النعيمي
بعد سنوات بسيطة من هجرتها الممنهجة، تحكمت الأقلية البيضاء في مفاصل حكم المجتمع والدولة في جنوب إفريقيا، وحظيت هذه الأقلية بمساندة الدول الاستعمارية - البيضاء - الأمر الذي ساعد على استمرار حكم هذه الأقلية لهذه البلاد وما جاورها زهاء ثلاثمئة سنة، فحاولوا تغيير كل أصيل في هذه المجتمعات بما في ذلك الهوية الوطنية واللغة والدين، وغيروا أسماء بعض المناطق وطمس حضارتها وكل ما يربطها بهويتها الإفريقية .
والاستعمار بمفهومه البسيط لا يعدو كونه؛ فرض السيادة، والتحكم في المجتمعات المُستَعمَرَة بالحكم المباشر أو غير المباشر، وإخضاعها للهيمنة التامة، والتحكم فيها لتكون سياساتها الاقتصادية لا تتعارض مع أهداف الاستعمار، ولا تمانع من استغلال المستعمر للقوى البشرية في هذه المجتمعات في تنمية المجتمعات المُستَعمِرَة، واستخدام شبابها كوقود للحروب التي تخوضها هذه الدول من أجل بسط نفوذها .
ولتحقيق هذه الأهداف، زُرِعَت أقليتان من البيض في كلٍ من فلسطين وجنوب إفريقيا، وتحقق النجاح الأكبر لهجرة البيض لنفس الغاية إلى أمريكا، حيث صبغت الهجرتان الى أمريكا وفلسطين بصبغة دينية باعتبارهما هجرتين مقدستين إلى أرض الميعاد، ولهذا يحتفل الأمريكان بعيد الشكر الذي يرسخ واقعة الهجرة الأولى وسفينتها المشهورة "MAY flower" عام 1620م .
فشل أنموذج الاستعمار المادي/ العسكري في جنوب إفريقيا، ونجح حتى الآن الانموذجان؛ الأمريكي والصهيوني، وهما كيانان أعطيا لنفسيهما حق التضحية بالآخر، حيث لا يبدو ممكناً التفكير بإعادة السكان الأصليين في أمريكا الشمالية الذين أبيدوا بالقتل المباشر أو بنقل الجراثيم والكوليرا أو التهجير القسري في رحلة الدموع المشهورة "Trail of Tears" التي أفني خلالها خمسة شعوب هي؛ الشيروكي والشوكتو والشيكاسو والكريك والسيمينول، وفي هذه الحالة وغيرها لم يكن الهدف استعمار السكان الأصليين بل إنهاء وجودهم . إلا أن هذا الكيان الانجلوسكسون الأبيض البروستانتي "White Anglo-Saxon Protestant" أثبت عبر مراحل التاريخ المختلفة أنه المارد الذي يخبئه بيض أوروبا ويخرجونه في الأزمات، وهذا ما حصل في تدخل الأمريكان لنجدة أوروبا في كلتا الحربين العالميتين .
أما إنموذج الكيان الصهيوني فإنه نجح حتى الآن في إقامة دولة عنصرية، ويحاول جاهدا أن ينتزع الاعترافات من الجوار ومن العالم، كونه دولة يهودية - خالصة للهيود - ويجتهد قادته بدعم من استعمار حديث، ليكون الإنموذج الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي والمدني الأكثر إبهاراً للمحيط العربي .
وعلى الرغم من ذلك فمحاولات التطبيع بين مدٍ وجزرٍ، والجوار الرسمي المستفيد من كياني أمريكا و"إسرائيل" بين مطبعٍ حتى النخاع وشبه ممانع، وآخر لم يحسم أمره بعد، بينما أغلب الجماهير العربية والإسلامية تقف سداً منيعاً أمام محاولات التطبيع، وتعتبر ذلك من المحرمات، ذلك لأنها مازالت تحمل بعض قيم العروبة والإسلام، وشيئاً من عة وكرامة الماضي، واللاهثون والمهرولون في مرحلة من مراحل التاريخ خلف الحلم "الإسرائيلي" تراجعوا، وبعضهم نادم على عثراته، ذلك أن هذا الكيان المصطنع؛ مؤسسة تجارية ربوية تقف خلفها العقلية اليهودية التي من طبعها البخل والتقتير على النفس وعلى الغير، ومص الدماء، فلم ينل اللاهثون خلف سراب ثرائها وكرمها إلا الخسران المبين .
لا يمكن للعين - اليوم - أن تخطئ هذه الهياكل "الأنموذج"، ولا يمكن تجاهل الهياكل الأخرى التي تُبنى على نفس النسق في العراق وأفغانستان وربما سوريا ومصر، حيث يبدو أن المخططين الاستراتيجيين في الغرب الاستعماري أدركوا أهمية حكمة أهل الشام التي مفادها: "هل تريد أكل العنب أو قتل حارس الحقل"، وأدركوا أنه بالإمكان بسط النفوذ دونما حاجة لحروب عسكرية، على الرغم من أهمية التلويح والتخويف بها، فتراجعوا عن إرسال أبنائهم للقتال خارج بلدانهم، لأنهم - في حقيقة الأمر- يقدسون حق شعوبهم في الحياة، فأطلقوا العنان لحروبٍ من نوع آخر، حروب تحقق لهم الهيمنة والسيادة وتسخير الآخر لخدمتهم، وذلك عن طريق تطويع عقول وقلوب بعض الأنظمة والجماعات المتطرفة لتخدم مصالحهم وتحقق أهدافهم، وهم بلا أدنى شك قادرون على ذلك، بعد أن أهمِلَت في بعض البلاد كثير من القيم والكثير من مقومات الهوية الوطنية، وصار أهلها مبهورين بحضارة الغرب المادية ومنجذبين لها، ولا يبدو أنهم يمانعون من تسليم كل شيء مقابل أن يرضى عنهم - الأبيض - ولأن هذا الأبيض يمتلك مقومات التحليل والتخطيط والاستنتاج بما أنشأ من مراكز أبحاث ودراسات نفسية واجتماعية قادرة على التعرف إلى نقاط ضعفنا وعلى الخواصر الرخوة في كياناتنا .