قال البيت الأبيض إنه لم يقيم بعد بشكل كامل تقرير جون تشيلكوت، رئيس اللجنة البريطانية المكلفة بالتحقيق في ملابسات العدوان البريطاني في حرب العراق عام 2003، لكن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست أشار إلى أن التعاون الوثيق بين الحكومتين البريطانية والأمريكية استمر عبر الإدارات.
وأضاف ارنست أن «قدرة قادة بلداننا على العمل معا من أجل التركيز على مصالحنا المشتركة والسعي لتحقيقها معا جعلت بلادنا أكثر ازدهارا وأكثر أمانا».
وأشار إلى أن الرئيس باراك أوباما قد عارض غزو العراق واضطر للتعامل مع العواقب عندما تولى منصبه في عام 2009.
وبحسب التقرير فإن بريطانيا شاركت في حرب كارثية وغير ضرورية وربما لم تكن قانونية، بسبب التزام توني بلير الشخصي والساذج للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش.
فبعد سبعة أعوام وبكلفة 10 ملايين جنيه استرليني أصدرت اللجنة حكمها القاتل على سلوك رئيس الوزراء السابق قبل الحرب وفشله في التخطيط لما بعدها.
وانتقد تشيلكوت الذي قضى 40 عاما في مجال الخدمة المدنية وعمل في أيرلندا الشمالية أثناء مشاكل الحكومة والمؤسسة الأمنية وقادة الجيش والمسؤولين في مقرات الحكومة «وايت هول». وقدم رواية بريطانية عن الطريقة التي تم فيها جرّ بريطانيا لأكبر حرب كارثية وفشل دبلوماسي منذ كارثة حرب السويس في عام 1956.
احتوى التقرير الذي جاء في 2.6 مليون كلمة و12 مجلدا وملخصا تنفيذيا من 135 صفحة على تحليل أكثر من 150.000 وثيقة حكومية وشهادات مسؤولين في الحكومة وقادة أمن وجنرالات في الجيش على وثيقة مهمة وهي رسالة أرسلها بلير في (28|2|2002)، أي قبل الغزو بحوالى 8 أشهر وفيها أعرب عن التزامه بدعم جهوده واشنطن لتغيير نظام صدام حسين «سأكون معك، مهما كلف الأمر». ودافع بلير عن نفسه مباشرة بعد مؤتمر سير جون الصحافي في مؤتمر صحافي مضاد، وقال «لو عدت إلى المكان نفسه وتلقيت المعلومة نفسها لاتخذت القرار نفسه».
ورحبت عائلات الجنود القتلى في حرب العراق (179 جنديا) بالتقرير. وقالت روز جينتل التي قتل ابنها البالغ 19 عاما عام 2004 «نشعر بأننا كنا على حق، وقال تقرير تشيلكوت ما كنا نقوله منذ سنوات والفرق هو أننا نملك دليلا بأيدينا».
ووصف سير جون تقريره بأنه «وصف لعملية عسكرية أخطأت طريقها وبتداعيات لا تزال واضحة حتى اليوم». وقدم وصفا لحرب قامت على «أدلة أمنية معيبة»، وكشف الكيفية التي تعاونت فيها الأجهزة الأمنية وخاصة جهاز الاستخبارات الخارجية (أم أي-6) واللجنة الأمنية المشتركة على تغذية رئيس الوزراء بمعلومات قاصرة وتقوم على مصادر أمنية مشكوك بصحتها، وهي المعلومات التي مثلت أرضية للملف الذي صار يطلق عليه اسم «الملف المخادع» والذي صدر في سبتمبر 2002. وقال تشيلكوت إن بلير اندفع إلى الحرب قبل أن يستنفد الطرق السلمية وعبر مجلس الأمن. وقال إن «بريطانيا اختارت المشاركة في غزو العراق قبل استنفاد كل خيارات نزع السلاح بطريقة سلمية»، و «لم يكن الخيار العسكري في ذلك الوقت الخيار الأخير».
ويثير التقرير أسئلة حول أحكام بلير في وقت التحضير للحرب على نظام صدام حسين وطبيعة تهديده، وأنه قدم للبرلمان فهمه الشخصي للمعلومات الأمنية لا ما يقتضيه الفهم العام. وأشار التقرير إلى 11 نقطة فشل فيها بلير في استشارة المسؤولين الكبار في حكومته. وتحدث عن مجموعة مصغرة من حاشيته التي أدارت الأزمة مكونة من سكرتيره الشخصي جيرمي هيوود الذي أدى تدخله لمنع نشر رسالة بلير إلى بوش، بالإضافة لأليستر كامبل الصحافي السابق في «ديلي ميرور» ومدير مكتبه الإعلامي، وأنجي هانتر، صديقة بلير في أيام المدرسة والذين شكلوا ما يطلق عليها «حكومة الأريكة» التي حجّمت المسؤولين في الحكومة. فالرسالة التي أرسلها بلير إلى بوش أطلع عليها جاك سترو، وزير الخارجية ولم يطلع عليها وزراء الدفاع الذين حجبوا عن اتخاذ القرارات الحاسمة.
ويعتبر التقرير محاكمة لإرث بلير الذي أثر قراره الخاطئ بالمشاركة في حرب غير مبررة سلبا على البلاد ودورها في النزاعات الخارجية والذي بدأ من تصويت النواب في سبتمبر 2013 ضد أي عمل عسكري في سوريا عقابا للرئيس بشار الأسد على استخدامه للسلاح الكيميائي ضد شعبه. فقد حذر دبلوماسيون بلير من أنه لن يكون قادرا على التأثير على الخطط الأمريكية، ولكنه اختار تجاوز نصائحهم.
وأكد التقرير أن « بلير تلقى تحذيرات عن مخاطر زيادة تهديد القاعدة على بريطانيا ومصالحها جراء العمل العسكري. وتم تحذيره من «مخاطر انتقال قدرات أسلحة الدمار الشامل العراقية لأيدي الإرهابيين»، مع أن تبريره للتدخل العسكري والإطاحة بصدام حسين كان لمنع وقوع أسلحة الدمار الشامل بيد الإرهابيين. وأكد تشيلكوت أن «مخاطر النزاع الداخلي والتدخل الإيراني النشط وملاحقتها لمصالحها وعدم الاستقرار ونشاط القاعدة في العراق تم التحذير منها بوضوح قبل الغزو».
وفي الحقيقة فقد أخبرت اللجنة الأمنية المشتركة توني بلير أن العمليات العسكرية في العراق ستؤدي إلى هجمات تنظيم «القاعدة» في الغرب. وأكثر من هذا فقد شككت وكالة الاستخبارات الخارجية (أم. أي.6) بوجود خلايا نائمة للقاعدة في العراق جاهزة للرد.
ومع أن تقرير تشيلكوت كان محاولة لاستخلاص الدروس والعبر من تجربة مؤرقة في السياسة الخارجية إلا أن الأبعاد القانونية المترتبة على الغزو ستظل قائمة. ويرى خبراء قانونيون أن هناك إمكانية لقيام قانونيين بتقديم قضية ضد بلير وزمرته لمحكمة الجنايات الدولية بناء على ما جاء في التقرير.
وتظل دراسة تشيلكوت شاملة ومفصلة و عميقة وسيمضي وقت طويل على استيعاب ما ورد فيها، إلا أن التقرير فشل في الإشارة للشعب العراقي الذي عانى ويلات الحرب خلال الـ13 عاما ماضية ولم يوص بأي شكل من أشكال الاعتذار ولا تقديم تعويضات مالية له.